عنده أن يذهب ويسلم على الوزير ، فدخل عليه وهو بطاق القميص الوسخ والمشلح الأسود وكوفية على رأسه وجزمة قديمة في رجله. فدخل على الوزير وسلم عليه على عادة البادية وقال : السلام عليك يا يوسف ، يا وزير السلطان ، عساك بخير ولعلك عدل ، ثم جلس بجانب الوزير من غير إذن ولا دعوة. فاغتاظ الوزير منه واحمرت عيناه لأن هذا شيء يخالف المراسيم العثمانية ، وعلى الخصوص أنه الصدر الأعظم ، عائد من مصر منصورا ، ويرى نفسه أكبر من سلطان اسلامبول ، فغضب وأمر القواصة (١) أن يأخذوا مهنا ويقتلوه. فقبضوا عليه وطلعوا به إلى خارج الديوان. أما مهنا ، فبسبب طرشته وعدم معرفته باللغة التركية ونظافة قلبه ، وبالنظر أيضا إلى عادات العرب أن يطعموا الضيف حال وصوله عندهم خوفا من أن يكون جائعا ، فإنه ظن أن الوزير أمر له بالغداء. فحين أخذوه إلى وسط السرايا ليقتلوه ، ترامى جميع الحاضرين ، من الأعيان ومن الصيارفة اليهود الذين شاهدوا ما جرى ، على أقدام الوزير وقالوا : يا سيدنا احذر عاقبة عملك ، فهذا يقال له مهنا الفاضل أمير عنزة ، هذا الذي يغفر (٢) الحج ويرد عنه غوايل العرب. ومن دون إذنه لا يمشي الحجاج. وفضلا عن ذلك إن قتلته لا تستطيع بعدئذ أن تخرج من دمشق بسبب شر العربان. فبردت همة الوزير وأمر حالا برده ، فعادوا به أمام الوزير ، فأجلسه إلى جانبه وأمر له بالقهوة فقال مهنا بباله : صحيح أن العثماني كلب بخيل ، كأنه ندم على الغداء فاستعاض عنه بفنجان قهوة ، لأن مهنا ، على الرغم ٢ / ٢٥ من كل هذه الضجة (٣) لم يفهم جلية الأمر. وبعد القهوة أمر الوزير له ببدلة / وحوائج من ملبوسه ، فأحضروا له قنبازا (٤) مقصبا عظيما وشال كشمير وفروة سمّور ، فألبسوه إياها. وأمر له الوزير بألف غرش فاحضروها حالا. وشرب قهوة مرة ثانية. وبعد ذلك صاح مهنا على العبيد الذين كانوا معه ، وكانوا ثلاثة ، فحضروا أمام الوزير ، فشلح القنباز وأعطاه لواحد منهم ، والشال للثاني والفروة للثالث. فتعجب الوزير منه وقال للترجمان : قل لمهنا كأنه ما قبل هديتي؟ قال مهنا : يا ترجمان قل لوزير السلطان أننا نحن العرب لا تغوينا الملابس الجميلة ولا نتكبر بالملبوس ، أنا ابن ملحم وأبي الأمير فاضل ، وإني معروف عند عشاير العربان سواء كنت لابسا هدوما (يعني ثيابا) زينات أم شينات (أي جميلة أم زريّة) ، مفهوم وكبير عليهم. فتعجب الوزير من كلامه وسرّ منه بالرغم عنه. وله حكايات كثيرة مثل هذه.
__________________
(١) يريد القوّاسة ، والمفرد قوّاس وهو الحاجب أو البواب ، بالمصطلح الحلبي.
(٢) يخفر أو يحفظ.
(٣) «الكركبة».
(٤) في الأصل : غنباز.