فيه الأقوال والاخبار ، لان موضوع المسألة انه هل يجوز بيع المكيل والموزون ثانيا قبل قبضه من البائع الأول أم لا؟ والقبض في المكيل والموزون هو كيله ووزنه لأجل القبض ، كما عرفت. والروايات بعضها بلفظ عدم القبض ، وبعضها بلفظ الكيل والوزن ، والمرجع إلى أمر واحد.
ورواية جميل التي اعتمدها دليلا على الجواز ، صريحة في جواز بيعه قبل قبضه ، وأن يوكل المشتري الثاني في القبض عنه ، ليقبض وكالة عنه ، ويقبض لنفسه ، فهو وكيل في القبض والإقباض ، وهو صريح في جواز البيع قبل الكيل والوزن.
وبالجملة فإن كلام هذا المحقق هنا لا يخلو عن غفلة واستعجال ، وعدم تأمل فيما سطره من المقال ، لظهور ما فيه من الاختلال ، هذا والعجب أن من قواعد أصحاب هذا الاصطلاح الدوران مدار الأخبار الصحيحة الأسانيد ، والعمل بها ، وطرح ما عارضها ، وأنهم لا يجمعون بين الاخبار الا بعد التساوي في الصحة ، وإلا فتراهم يطرحون الضعيف من البين ، ولم أقف على من وقف على هذه القاعدة هنا الا قليل منهم.
قال في المسالك بعد ـ أن نقل الاستدلال على الجواز بخبري جميل وابن الحجاج الكرخي ، وعلى العدم بصحاح الحلبي ومنصور بن حازم ومعاوية بن وهب ، ونقل عنهم الجمع بين الاخبار ، بحمل اخبار المنع على الكراهة ـ ما لفظه : وهذا الجمع انما يتم لو كانت الاخبار متكافئة في وجوب العمل بها ، لكن الأمر هنا ليس كذلك ، لان اخبار المنع صحيحة متظافرة ، وخبر التسويغ في طريق أولهما على بن حديد وهو ضعيف ، والأخر مجهول ، فالقول بالمنع أوضح ، وهو خيرة العلامة في التذكرة والإرشاد ، والشيخ في المبسوط ، بل ادعى عليه الإجماع جماعة من الأصحاب. انتهى.
وهو جيد هذا مع ما عرفت في غير موضع مما تقدم ما في الجمع بين الاخبار بالكراهة والاستحباب ـ كما هو القاعدة المطردة عندهم في جميع الأبواب ـ من عدم الدليل على ذلك ، من سنة ولا كتاب ، بل عدم الاستقامة في حد ذاته ، كما لا يخفى