على المنصف من أولى الألباب ، لأن الاستحباب والكراهة حكمان شرعيان يتوقفان على الدليل الواضح ، ومجرد اختلاف الاخبار ليس بدليل على ذلك. وأيضا فإن الأصل في الأمر الوجوب ، وفي النهي التحريم ، كما حققه المحققون في الأصول ، وعليه دلت الآيات والروايات كما سلف تحقيقه في المقدمات (١) من أول كتاب الطهارة وحملهما على غير ذلك مجازا يتوقف على القرينة واختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز.
وأنت إذا تدبرت في أخبار المسألة نفيا وإثباتا ظهر لك ان الحكم بالتحريم كان شائعا في الصدر الأول بين أصحاب الأئمة (عليهمالسلام) كما يشير إليه رواية على بن أبي حمزة ، وصحيحة الحلبي المشتملة على شراء البر ، وصحيحة منصور الثانية ، فإنها تشعر بتوهم سريان التحريم الى غير المكيل والموزون ، فحصل السؤال عنه وهو يشعر بشهرة الحكم بالتحريم في الموزون والمكيل حتى توهم إلحاق غيرهما بهما ، كما لا يخفى (٢).
وبالجملة فالظاهر عندي هو القول بالتحريم إلا في صورة التولية ، كما نصت عليه الاخبار المتقدمة ، وارتكاب التأويل في خبري ابن الحجاج وجميل المذكورين ان أمكن ، والا فالرد إلى قائلهما.
فوائد ـ الاولى لو باع على تقدير القول بالتحريم مطلقا أو في غير التولية ، هل يقع البيع باطلا ، أو يصح وان أثم وصرح بالأول ابن ابى عقيل في عبارته المتقدمة في صدر المسألة ، وبالثاني قطع العلامة في المختلف. فقال : ولو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع ، ولم يتعرض الى دليل في المقام ، وكأنه مبني على ما اشتهر عندهم من أن النهى في المعاملات لا يقتضي الفساد ، انما ذلك في العبادات ، والحق
__________________
(١) ص ج ١ ص ١١٢.
(٢) أقول ملخص الأقوال هنا ثلاثة ، الجواز مطلقا ، والمنع مطلقا ، والتفصيل بين التولية وغيرها فيجوز فيها ويحرم في غيرها. منه رحمهالله.