المسلمين بغير قتال ، فجعلها بمعنى الفيء ، فمحمله على بيان الاصطلاح الذي اصطلحوا عليه من بعد.
وتعبيرات السلف في التفرقة بين الغنيمة والنفل غير مضبوطة ، وهذا ملاك الفصل في هذا المقام لتمييز أصناف الأموال المأخوذة في القتال ، فأما صور قسمتها فسيأتي بعضها في هذه الآية.
فاصطلحوا على أنّ الغنيمة ، ويقال : لها المغنم ، ما يأخذه الغزاة من أمتعة المقاتلين غصبا ، بقتل أو بأسر ، أو يقتحمون ديارهم غازين ، أو ما يتركه الأعداء في ديارهم ، إذا فرّوا عند هجوم الجيش عليهم بعد ابتداء القتال. فأمّا ما يظفر به الجيش في غير حالة الغزو من مال العدوّ ، وما يتركه العدوّ من المتاع إذا أخلوا بلادهم قبل هجوم جيش المسلمين ، فذلك الفيء وسيجيء في سورة الحشر.
وقد اختلف فقهاء الأمصار في مقتضى هذه الآية مع آية (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) [الأنفال : ١] إلخ. فقال مالك : ليس أموال العدوّ المقاتل حقّ لجيش المسلمين إلّا الغنيمة والفيء. وأمّا النفل فليس حقّا مستقلا بالحكم ، ولكنّه ما يعطيه الإمام من الخمس لبعض المقاتلين زائدا على سهمه من الغنيمة ، على ما يرى من الاجتهاد ، ولا تعيين لمقدار النفل في الخمس ولا حدّ له ، ولا يكون فيما زاد على الخمس. هذا قول مالك ورواية عن الشافعي. وهو الجاري على ما عمل به الخلفاء الثلاثة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، في أشهر الروايتين عنه ، وسعيد بن المسيّب : النفل من الخمس وهو خمس الخمس.
وعن الأوزاعي ، ومكحول ، وجمهور الفقهاء : النفل ما يعطى من الغنيمة يخرج من ثلث الخمس.
و (ما) في قوله : (أَنَّما) اسم موصول وهو اسم (أنّ) وكتبت هذه في المصحف متّصلة ب (أنّ) لأنّ زمان كتابة المصحف كان قبل استقرار قواعد الرسم وضبط الفروق فيه بين ما يتشابه نطقه ويختلف معناه ، فالتفرقة في الرسم بين (ما) الكافّة وغيرها لم ينضبط زمن كتابة المصاحف الأولى ، وبقيت كتابة المصاحف على مثال المصحف الإمام مبالغة في احترام القرآن عن التغيير.
و (مِنْ شَيْءٍ) بيان لعموم (ما) لئلا يتوهّم أنّ المقصود غنيمة معيّنة خاصّة. والفاء في