قوله : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) لما في الموصول من معنى الاشتراط ، وما في الخبر من معنى المجازاة بتأويل : إن غنمتم فحقّ لله خمسه إلخ.
والمصدر المؤوّل بعد (أنّ) في قوله : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) مبتدأ حذف خبره ، أو خبر حذف مبتدؤه ، وتقدير المحذوف بما يناسب المعنى الذي دلّت عليه لام الاستحقاق ، أي فحقّ لله خمسه. وإنّما صيغ على هذا النظم ، مع كون معنى اللام كافيا في الدلالة على الأحقّيّة ، كما قرئ في الشاذ فلله خمسه لما يفيده الإتيان بحرف (أنّ) من الإسناد مرتين تأكيدا ، ولأنّ في حذف أحد ركني الإسناد تكثيرا لوجوه الاحتمال في المقدّر ، من نحو تقدير : حقّ ، أو ثبات ، أو لازم ، أو واجب.
واللام للملك ، أو الاستحقاق ، وقد علم أنّ أربعة الأخماس للغزاة الصادق عليهم ضمير (غَنِمْتُمْ) فثبت به أنّ الغنيمة لهم عدا خمسها.
وقد جعل الله خمس الغنيمة حقّا لله وللرسول ومن عطف عليهما ، وكان أمر العرب في الجاهلية أنّ ربع الغنيمة يكون لقائد الجيش ، ويسمّى ذلك «المرباع» بكسر الميم.
وفي عرف الإسلام إذا جعل شيء حقّا لله ، من غير ما فيه عبادة له : أنّ ذلك يكون للذين يأمر الله بتسديد حاجتهم منه ، فلكلّ نوع من الأموال مستحقّون عيّنهم الشرع ، فالمعنى في قوله : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) أنّ الابتداء باسم الله تعالى للإشارة إلى أنّ ذلك الخمس حقّ الله يصرفه حيث يشاء ، وقد شاء فوكل صرفه إلى رسوله صلىاللهعليهوسلم ولمن يخلف رسوله من أئمّة المسلمين. وبهذا التأويل يكون الخمس مقسوما على خمسة أسهم ، وهذا قول عامّة علماء الإسلام وشذّ أبو العالية رفيع (١) الرياحي ولاء من التابعين ، فقال : إنّ الخمس يقسم على خمسة أسهم فيعزل منها سهم فيضرب الأمير بيده على ذلك السهم الذي عزله فما قبضت عليه يده من ذلك جعله للكعبة : أي على وجه يشبه القرعة ، ثم يقسم بقية ذلك السهم على خمسة : سهم للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وسهم لذوي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل. ونسب أبو العالية ذلك إلى فعل النبي صلىاللهعليهوسلم.
وأمّا الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فلحقه حالتان : حالة تصرّفه في مال الله بما ائتمنه الله على سائر مصالح الأمة ، وحالة انتفاعه بما يحبّ انتفاعه به من ذلك. فلذلك
__________________
(١) بضم الراء وفتح الفاء توفي سنة تسعين على الصحيح.