وقال أبو حنيفة : ارتفع سهم رسول الله وسهم قرابته بوفاته ، وبقي الخمس لليتامى والمساكين وابن السبيل ، لأنّ رسول الله إنّما أخذ سهما في المغنم لأنّه رسول الله ، لا لأنّه إمام ، فلذلك لا يخلفه فيه غيره.
وعند الجمهور أنّ سهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخلفه فيه الإمام ، يبدأ بنفقته ونفقة عياله بلا تقدير ، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين.
(وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) تقدّم تفسير معانيها عند قوله تعالى : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) [البقرة : ١٧٧] وعند قوله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ـ إلى قوله ـ وَابْنِ السَّبِيلِ) [النساء : ٣٦].
واليتامى وابن السبيل لا يعطون إلّا إذا كانوا فقراء ففائدة تعيين خمس الخمس لكلّ صنف من هؤلاء أن لا يحاصهم فيه غيرهم من الفقراء والشأن ، في اليتامى في الغالب أن لا تكون لهم سعة في المكاسب فهم مظنّة الحاجة ، ولكنّها دون الفقر فجعل لهم حقّ في المغنم توفيرا عليهم في إقامة شئونهم ، فهم من الحاجة المالية أحسن حالا من المساكين ، وهم من حالة المقدرة أضعف حالا منهم ، فلو كانوا أغنياء بأموال تركها لهم آباؤهم فلا يعطون من الخمس شيئا.
والمساكين الفقراء الشديد والفقر جعل الله لهم خمس الخمس كما جعل لهم حقّا في الزكاة ، ولم يجعل للفقراء حقّا في الخمس كما لم يجعل لليتامى حقّا في الزكاة.
وابن السبيل أيضا في حاجة إلى الإعانة على البلاغ وتسديد شئونه ، فهو مظنّة الحاجة ، فلو كان ابن السبيل ذا وفر وغنى لم يعط من الخمس ، ولذلك لم يشترط مالك وبعض الفقهاء في اليتامى وأبناء السبيل الفقر ، بل مطلق الحاجة. واشترط أبو حنيفة الفقر في ذوي القربى واليتامى وأبناء السبيل ، وجعل ذكرهم دون الاكتفاء بالمساكين ؛ لتقرير استحقاقهم.
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) شرط يتعلق بما دلّ عليه قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) لأن الأمر بالعلم لما كان المقصود به العمل بالمعلوم والامتثال لمقتضاه كما تقدّم ، صحّ تعلّق الشرط به ، فيكون قوله : (وَاعْلَمُوا) دليلا على الجواب أو هو الجواب مقدّما على شرطه ، والتقدير : إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنّ ما غنمتم إلخ. واعملوا بما علمتم