(إِذْ) بدل من (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) [الأنفال : ٤١] فهو ظرف ل (أَنْزَلْنا) [الأنفال : ٤١] أي زمن أنتم بالعدوة الدنيا ، وقد أريد من هذا الظرف وما أضيف إليه تذكيرهم بحالة حرجة كان المسلمون فيها ، وتنبيههم للطف عظيم حفّهم من الله تعالى ، وهي حالة موقع جيش المسلمين من جيش المشركين ، وكيف التقى الجيشان في مكان واحد عن غير ميعاد ، ووجد المسلمون أنفسهم أمام عدوّ قوي العدّة والعدّة والمكانة من حسن الموقع. ولو لا هذا المقصد من وصف هذه الهيئة لما كان من داع لهذا الإطناب إذ ليس من أغراض القرآن وصف المنازل إذا لم تكن فيه عبرة.
والعدوة بتثليث العين صفة الوادي وشاطئه ، والضمّ والكسر في العين أفصح وعليهما القراءات المشهورة ، فقرأه الجمهور ـ بضمّ العين ـ ، وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب ـ بكسر العين ـ.
والمراد بها شاطئ وادي بدر. وبدر اسم ماء. و (الدُّنْيا) هي القريبة أي العدوة التي من جهة المدينة ، فهي أقرب لجيش المسلمين من العدوة التي من جهة مكة. و (بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) هي التي ممّا يلي مكة ، وهي كثيب ، وهي قصوى بالنسبة لموقع بلد المسلمين.
والوصف ب (الدُّنْيا) و (الْقُصْوى) يشعر المخاطبون بفائدته ، وهي أنّ المسلمين كانوا حريصين أن يسبقوا المشركين إلى العدوة القصوى ، لأنّها أصلب أرضا فليس للوصف بالدنو والقصو أثر في تفضيل إحدى العدوتين على الأخرى ، ولكنّه صادف أن كانت القصوى أسعد بنزول الجيش ، فلمّا سبق جيش المشركين إليها اغتمّ المسلمون ، فلمّا نزل المسلمون بالعدوة الدنيا أرسل الله المطر وكان الوادي دهسا فلبّد المطر الأرض ولم يعقهم عن المسير وأصاب الأرض التي بها قريش فعطّلهم عن الرحيل ، فلم يبلغوا بدرا إلّا بعد أن وصل المسلمون وتخيروا أحسن موقع وسبقوا إلى الماء ، فاتّخذوا حوضا يكفيهم وغوروا الماء ، فلمّا وصل المشركون إلى الماء وجدوه قد احتازه المسلمون ، فكان المسلمون يشربون ولا يجد المشركون ماء.
وضمير (وَهُمْ) عائد إلى ما في لفظ (الْجَمْعانِ) من معنى : جمعكم وجمع المشركين ، فلمّا قال : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) لم يبق معاد لضمير (وَهُمْ) إلّا الجمع الآخر وهو جمع المشركين.
و (الرَّكْبُ) هو ركب قريش الراجعون من الشام ، وهو العير. (أَسْفَلَ) من الفريقين