أي أخفض من منازلهما ، لأن العير كانوا سائرين في طريق الساحل ، وقد تركوا ماء بدر عن يسارهم. ذلك أنّ أبا سفيان لمّا بلغه أنّ المسلمين خرجوا لتلقي عيره رجع بالعير عن الطريق التي تمرّ ببدر ، وسلك طريق الساحل لينجو بالعير ، فكان مسيره في السهول المنخفضة ، وكان رجال الركب أربعين رجلا.
والمعنى : والركب بالجهة السفلى منكم ، وهي جهة البحر وضمير (مِنْكُمْ) خطاب للمسلمين المخاطبين بقوله : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) والمعنى أنّ جيش المسلمين كان بين جماعتين للمشركين ، وهما جيش أبي سفيان بالعدوة القصوى ، وعير القوم أسفل من العدوة الدنيا ، فلو علم العدوّ بهذا الوضع لطبّق جماعتيه على جيش المسلمين ، ولكن الله صرفهم عن التفطّن لذلك وصرف المسلمين عن ذلك ، وقد كانوا يطمعون أن يصادفوا العير فينتهبوها كما قال تعالى : (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) [الأنفال : ٧] ولو حاولوا ذلك لوقعوا بين جماعتين من العدوّ.
وانتصب (أَسْفَلَ) على الظرفية المكانية وهو في محلّ رفع خبر عن (الركب) أي والركب قد فاتكم وكنتم تأملون أن تدركوه فتنتهبوا ما فيه من المتاع.
والغرض من التقييد بهذا الوقت ، وبتلك الحالة : إحضارها في ذكرهم ، لأجل ما يلزم ذلك من شكر نعمة الله ، ومن حسن الظنّ بوعده والاعتماد عليه في أمورهم ، فإنّهم كانوا حينئذ في أشدّ ما يكون فيه جيش تجاه عدوّه ، لأنّهم يعلمون أنّ تلك الحالة كان ظاهرها ملائما للعدوّ ، إذ كان العدوّ في شوكة واكتمال عدّة ، وقد تمهدت له أسباب الغلبة بحسن موقع جيشه ، إذ كان بالعدوة التي فيها الماء لسقياهم والتي أرضها متوسّطة الصلابة ، فأما جيش المسلمين فقد وجدوا أنفسهم أمام العدوّ في عدوة تسوخ في أرضها الأرجل من لين رملها ، مع قلّة مائها ، وكانت العير قد فاتت المسلمين وحلّت وراء ظهور جيش المشركين ، فكانت في مأمن من أن ينالها المسلمون ، وكان المشركون واثقين بمكنة الذبّ عن عيرهم ، فكانت ظاهرة هذه الحالة ظاهرة خيبة وخوف للمسلمين ، وظاهرة فوز وقوة للمشركين ، فكان من عجيب عناية الله بالمسلمين أن قلب تلك الحالة رأسا على عقب ، فأنزل من السماء مطرا تعبّدت به الأرض لجيش المسلمين فساروا فيها غير مشفوق عليهم ، وتطهّروا وسقوا ، وصارت به الأرض لجيش المشركين وحلا يثقل فيها السير وفاضت المياه عليهم ، وألقى الله في قلوبهم تهوين أمر المسلمين ، فلم يأخذوا حذرهم ولا أعدّوا للحرب عدّتها ، وجعلوا مقامهم هنالك مقام لهو وطرب ، فجعل الله ذلك سببا لنصر