المسلمين عليهم ، ورأوا كيف أنجز الله لهم ما وعدهم من النصر الذي لم يكونوا يتوقّعونه. فالذين خوطبوا بهذه الآية هم أعلم السامعين بفائدة التوقيت الذي في قوله : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) الآية. ولذلك تعيّن على المفسّر وصف الحالة التي تضمنتها الآية ، ولو لا ذلك لكان هذا التقييد بالوقت قليل الجدوى.
وجملة (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) في موضع الحال من (الْجَمْعانِ) [الأنفال : ٤١] وعامل الحال فعل (الْتَقَى) [الأنفال : ٤١] أي في حال لقاء على غير ميعاد ، قد جاء ألزم ممّا لو كان على ميعاد ، فإنّ اللقاء الذي يكون موعودا قد يتأخّر فيه أحد المتواعدين عن وقته ، وهذا اللقاء قد جاء في إبان متّحد وفي مكان متجاور متقابل.
ومعنى الاختلاف في الميعاد : اختلاف وقته بأن يتأخّر أحد الفريقين عن الوقت المحدود فلم يأتوا على سواء.
والتلازم بين شرط (لَوْ) وجوابها خفي هنا وقد أشكل على المفسّرين ، ومنهم من اضطرّ إلى تقدير كلام محذوف تقديره : ثم علمتم قلّتكم وكثرتكم ، وفيه أنّ ذلك يفضي إلى التخلّف عن الحضور لا إلى الاختلاف. ومنهم من قدر : وعلمتم قلّتكم وشعر المشركون بالخوف منكم لما ألقى الله في قلوبهم من الرعب ، أي يجعل أحد الفريقين يتثاقل فلم تحضروا على ميعاد ، وهو يفضي إلى ما أفضى إليه القول الذي قبله ، ومنهم من جعل ذلك لما لا يخلو عنه الناس من عروض العوارض والقواطع ، وهذا أقرب ، ومع ذلك لا ينثلج له الصدر.
فالوجه في تفسير هذه الآية أنّ (لَوْ) هذه من قبيل (لو) الصهيبية فإنّ لها استعمالات ملاكها : أن لا يقصد من (لو) ربط انتفاء مضمون جوابها بانتفاء مضمون شرطها ، أي ربط حصول نقيض مضمون الجواب بحصول نقيض مضمون الشرط ، بل يقصد أنّ مضمون الجواب حاصل لا محالة ، سواء فرض حصول مضمون شرطها أو فرض انتفاؤه ، إمّا لأنّ مضمون الجواب أولى بالحصول عند انتفاء مضمون الشرط ، نحو قوله تعالى: (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) [فاطر : ١٤] ، وإمّا بقطع النظر عن أولوية مضمون الجواب بالحصول عند انتفاء مضمون الشرط نحو قوله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨]. ومحصّل هذا أنّ مضمون الجزاء مستمرّ الحصول في جميع الأحوال في فرض المتكلم ، فيأتي بجملة الشرط متضمنّة الحالة التي هي عند السامع مظنة أن يحصل فيها نقيض مضمون الجواب. ومن هذا قول طفيل في الثناء على بني جعفر بن كلاب: