أبوا أن يملّونا ولو أنّ أمّنا |
|
تلاقي الذي لاقوه منا لملّت |
أي فكيف بغير أمّنا.
وقد تقدّمت الإشارة إلى هذا عند قوله تعالى : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) في هذه السورة [٢٣] ، وكنا أحلنا عليه وعلى ما في هذه الآية عند قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) الآية في سورة الأنعام [١١١].
والمعنى : لو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ، أي في وقت ما تواعدتم عليه ، لأن غالب أحوال المتواعدين أن لا يستوي وفاؤهما بما تواعدا عليه في وقت الوفاء به ، أي في وقت واحد ، لأنّ التوقيت كان في تلك الأزمان تقريبا يقدّرونه بأجزاء النهار كالضحى والعصر والغروب ، لا ينضبط بالدرج والدقائق الفلكية ، والمعنى : فبالأحرى وأنتم لم تتواعدوا وقد أتيتم سواء في اتّحاد وقت حلولكم في العدوتين فاعلموا أنّ ذلك تيسير بقدر الله لأنّه قدر ذلك لتعلموا أنّ نصركم من عنده على نحو قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧].
وهذا غير ما يقال ، في تقارب حصول حال لأناس : «كأنهم كانوا على ميعاد» كما قال الأسود بن يعفر يرثي هلاك أحلافه وأنصاره.
جرت الرياح على محلّ ديارهم |
|
فكأنهم كانوا على ميعاد |
فإنّ ذلك تشبيه للحصول المتعاقب.
وضمير (لَاخْتَلَفْتُمْ) على الوجوه كلّها شامل للفريقين : المخاطبين والغائبين ، على تغليب المخاطبين ، كما هو الشأن في الضمائر مثله.
وقد ظهر موقع الاستدراك في قوله : (وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) إذ التقدير : ولكن لم تتواعدوا وجئتم على غير اتّعاد ليقضي الله أي ليحقّق وينجز ما أراده من نصركم على المشركين. ولمّا كان تعليل الاستدراك المفاد بلكن قد وقع بفعل مسند إلى الله كان مفيدا أنّ مجيئهم إلى العدوتين على غير تواعد كان بتقدير من الله عناية بالمسلمين.
ومعنى (أَمْراً) هنا الشيء العظيم ، فتنكيره للتعظيم ، أو يجعل بمعنى الشأن وهم لا يطلقون (الأمر) بهذا المعنى إلّا على شيء مهمّ ، ولعلّ سبب ذلك أنه ما سمّي (أمرا) لا باعتبار أنّه ممّا يؤمر بفعله أو بعمله كقوله تعالى : (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) [مريم : ٢١] وقوله :