إلى الملك القرم وابن الهما |
|
م وليث الكتيبة في المزدحم |
والإرهاب جعل الغير راهبا ، أي خائفا ، فإنّ العدوّ إذا علم استعداد عدوّه لقتاله خافه ، ولم يجرأ عليه ، فكان ذلك هناء للمسلمين وأمنا من أن يغزوهم أعداؤهم ، فيكون الغزو بأيديهم : يغزون الأعداء متى أرادوا ، وكان الحال أوفق لهم ، وأيضا ذا رهبوهم تجنّبوا إعانة الأعداء عليهم.
والمراد بالآخرين من دونهم أعداء لا يعرفهم المسلمون بالتعيين ولا بالإجمال ، وهم من كان يضمر للمسلمين عداوة وكيدا ، ويتربّص بهم الدوائر ، مثل بعض القبائل. فقوله : (لا تَعْلَمُونَهُمُ) أي لم تكونوا تعلمونهم قبل هذا الإعلام ، وقد علمتموهم الآن إجمالا ، أو أريد : لا تعلمونهم بالتفصيل ، ولكنّكم تعلمون وجودهم إجمالا مثل المنافقين ، فالعلم بمعنى المعرفة ، ولهذا نصب مفعولا واحدا.
وقوله : (مِنْ دُونِهِمْ) مؤذن بأنّهم قبائل من العرب كانوا ينتظرون ما تنكشف عنه عاقبة المشركين من أهل مكة من حربهم مع المسلمين ، فقد كان ذلك دأب كثير من القبائل كما ورد في السيرة ، ولذلك ذكر (مِنْ دُونِهِمْ) بمعنى : من جهات أخرى ، لأنّ أصل (دون) أنّها للمكان المخالف ، وهذا أولى من حمله على مطلق المغايرة التي هي من إطلاقات كلمة (دون) لأنّ ذلك المعنى قد أغنى عنه وصفهم ب (آخَرِينَ).
وجملة (اللهُ يَعْلَمُهُمْ) تعريض بالتهديد لهؤلاء الآخرين ، فالخبر مستعمل في معناه الكنائي ، وهو تعقّبهم والإغراء بهم ، وتعريض بالامتنان على المسلمين بأنّهم بمحل عناية الله فهو يحصي أعداءهم وينبّههم إليهم.
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي : للتقوّي ، أي تحقيق الخبر وتأكيده ، والمقصود تأكيد لازم معناه ، أمّا أصل المعنى فلا يحتاج إلى التأكيد إذ لا ينكره أحد ، وأمّا حمل التقديم هنا على إرادة الاختصاص فلا يحسن للاستغناء عن طريق القصر بجملة النفي في قوله : (لا تَعْلَمُونَهُمُ) فلو قيل : ويعلّمهم الله لحصل معنى القصر من مجموع الجملتين.
وإذ قد كان إعداد القوّة يستدعي إنفاقا ، وكانت النفوس شحيحة بالمال ، تكفّل الله للمنفقين في سبيله بإخلاف ما أنفقوه والإثابة عليه ، فقال : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) فسبيل الله هو الجهاد لإعلاء كلمته.