وجملة (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ) مستأنفة مسوقة مساق الاستدلال : على أنّه حسبه ، وعلى المعنى التعريضي وهو عدم التحرّج من احتمال قصدهم الخيانة والتوجّس من ذلك الاحتمال خيفة ، والمعنى : فإنّ الله قد نصرك من قبل وقد كنت يومئذ أضعف منك اليوم ، فنصرك على العدوّ وهو مجاهر بعدوانه ، فنصره إيّاك عليهم مع مخاتلتهم ، ومع كونك في قوّة من المؤمنين الذين معك ، أولى وأقرب.
وتعدية فعل (يَخْدَعُوكَ) إلى ضمير النبي عليه الصلاة والسلام باعتبار كونه وليّ أمر المسلمين ، والمقصود : وإن يريدوا أن يخدعوك فإنّ حسبك الله ، وقد بدّل الأسلوب إلى خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم : ليتوصّل بذلك إلى ذكر نصره من أول يوم حين دعا إلى الله وهو وحده مخالفا أمّة كاملة.
والتأييد التقوية بالإعانة على عمل. وتقدّم في قوله : (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) في سورة البقرة [٨٧].
وجعلت التقوية بالنصر : لأنّ النصر يقوي العزيمة ، ويثبت رأي المنصور ، وضدّه يشوش العقل ، ويوهن العزم ، قال علي بن أبي طالب رضياللهعنه في بعض خطبه «وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان حتّى قالت قريش : ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا معرفة له بالحرب».
وإضافة النصر إلى الله : تنبيه على أنّه نصر خارق للعادة ، وهو النصر بالملائكة والخوارق ، من أوّل أيّام الدعوة.
وقوله : (وَبِالْمُؤْمِنِينَ) عطف على (بِنَصْرِهِ) وأعيد حرف الجرّ بعد واو العطف لدفع توهّم أن يكون معطوفا على اسم الجلالة فيوهم أنّ المعنى ونصر المؤمنين مع أنّ المقصود أنّ وجود المؤمنين تأييد من الله لرسوله إذ وفّقهم لاتّباعه فشرح صدره بمشاهدة نجاح دعوته وتزايد أمته ولكون المؤمنين جيشا ثابتي الجنان ، فجعل المؤمنون بذاتهم تأييدا.
والتأليف بين قلوب المؤمنين منّة أخرى على الرسول ، إذ جعل أتباعه متحابّين وذلك أعون له على سياستهم ، وأرجى لاجتناء النفع بهم ، إذ يكونون على قلب رجل واحد ، وقد كان العرب يفضلون الجيش المؤلف من قبيلة واحدة ، لأنّ ذلك أبعد عن حصول التنازع بينهم.
وهو أيضا منة على المؤمنين إذ نزع من قلوبهم الأحقاد والإحن ، التي كانت دأب