واحدة نهايتها قوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
فإن وصف الإيمان أي الإيمان بالله وحده يقابله وصف الشرك ، وأنّ وصف الهجرة يقابله وصف المكث بدار الشرك ، فلمّا بيّن أول الآية ما لأصحاب الوصفين : الإيمان والهجرة ، من الفضل وما بينهم من الولاية انتقلت إلى بيان حال الفريق الذي يقابل أصحاب الوصفين وهو فريق ثالث ، فبيّنت حكم المؤمنين الذين لم يهاجروا فأثبتت لهم وصف الإيمان ، وأمرت المهاجرين والأنصار بالتبري من ولايتهم حتّى يهاجروا ، فلا يثبت بينهم وبين أولئك حكم التوارث ولا النصر إلّا إذا طلبوا النصر على قوم فتنوهم في دينهم.
وفي نفي ولاية المهاجرين والأنصار لهم ، مع السكوت عن كونهم أولياء للذين كفروا ، دليل على أنّهم معتبرون مسلمين ، ولكنّ الله أمر بمقاطعتهم حتّى يهاجروا ؛ ليكون ذلك باعثا لهم على الهجرة.
و «الولاية» ـ بفتح الواو ـ في المشهور وكذلك قرأها جمهور القرّاء ، وهي اسم لمصدر تولاه ، وقرأها حمزة وحده ـ بكسر الواو ـ. قال أبو علي : الفتح أجود هنا ، لأنّ الولاية التي بكسر الواو في السلطان يعني في ولايات الحكم والإمارة. وقال الزّجاج : قد يجوز فيها الكسر ، لأنّ في تولّى بعض القوم بعضا جنسا من الصناعة كالقصارة والخياطة ، وتبعه في «الكشّاف» وأراد إبطال قول أبي علي الفارسي أنّ الفتح هنا أجود. وما قاله أبو علي الفارسي باطل ، والفتح والكسر وجهان متساويان مثل الدلالة بفتح الدال وكسرها.
والظرفية التي دلت عليها (في) من قوله تعالى : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) ظرفية مجازية ، تؤول إلى معنى التعليل ، أي : طلبوا أن تنصروهم لأجل الدين ، أي لرد الفتنة عنهم في دينهم إذ حاول المشركون إرجاعهم إلى دين الشرك وجب نصرهم ؛ لأنّ نصرهم للدّين ليس من الولاية لهم بل هو من الولاية للدين ونصره ، وذلك واجب عليهم سواء استنصرهم الناس أم لم يستنصروهم إذا توفّر داعي القتال ، فجعل الله استنصار المسلمين الذين لم يهاجروا من جملة دواعي الجهاد.
و (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) من صيغ الوجوب ، أي : فواجب عليكم نصرهم ، وقدم الخبر وهو (فَعَلَيْكُمُ) للاهتمام به.
وأل في (النَّصْرُ) للعهد الذكري لأنّ (اسْتَنْصَرُوكُمْ) يدلّ على طلب نصر