والإيواء تقدّم عند قوله تعالى : (فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) في هذه السورة [٢٦].
والنصر تقدّم عند قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ـ إلى قوله ـ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) في سورة البقرة [١٢٣].
والمراد بالنصر في قوله : (وَنَصَرُوا) النصر الحاصل قبل الجهاد وهو نصر النبيصلىاللهعليهوسلم والمسلمين بأنّهم يحمونهم بما يحمون به أهلهم ، ولذلك غلب على الأوس والخزرج وصف الأنصار.
واسم الإشارة في قوله : (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) لإفادة الاهتمام بتمييزهم للإخبار عنهم ، وللتعريض بالتعظيم لشأنهم ، ولذلك لم يؤت بمثله في الإخبار عن أحوال الفرق الأخرى.
ولمّا أطلق الله الولاية بينهم احتمل حملها على أقصى معانيها ، وإن كان موردها في خصوص ولاية النصر ، فإنّ ذلك كورود العامّ على سبب خاص قال ابن عباس : (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) يعني في الميراث جعل بين المهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام ، حتّى أنزل الله قوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [الأنفال : ٧٥] أي في الميراث فنسختها ، وسيأتي الكلام على ذلك. فحملها ابن عبّاس على ما يشمل الميراث ، فقال : كانوا يتوارثون بالهجرة ، وكان لا يرث من آمن ولم يهاجر الذي آمن وهاجر ، فنسخ الله ذلك بقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) [الأنفال : ٧٥]. وهذا قول مجاهد وعكرمة وقتادة والحسن. وروي عن عمر بن الخطاب وابن مسعود ، وهو قول أبي حنيفة وأحمد ، وقال كثير من المفسّرين هذه الولاية هي في الموالاة والمؤازرة والمعاونة دون الميراث اعتدادا بأنّها خاصّة بهذا الغرض ، وهو قول مالك بن أنس والشافعي.
وروي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وابن عمر وأهل المدينة ، ولا تشمل هذه الآية المؤمنين غير المهاجرين والأنصار. قال ابن عباس : كان المهاجر لا يتولّى الأعرابي ولا يرثه (وهو مؤمن) ولا يرث الأعرابي المهاجر ـ أي ولو كان عاصبا.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) جاء على أسلوب تقسيم الفرق فعطف كما عطفت الجمل بعده ، ومع ذلك قد جعل تكملة لحكم الفرقة المذكورة قبله فصار له اعتباران ، وقد وقع في المصحف مع الجملة التي قبله ، آية