المصاحف مع التي قبلها آية واحدة.
فيظهر أنّ التقاسيم السابقة لمّا أثبتت ولاية بين المؤمنين ، ونفت ولاية من بينهم وبين الكافرين ، ومن بينهم وبين الذين آمنوا ولم يهاجروا حتّى يهاجروا ، ثم عادت على الذين يهاجرون من المؤمنين بعد تقاعسهم عن الهجرة بالبقاء في دار الكفر مدّة ، فبيّنت أنّهم إن تداركوا أمرهم وهاجروا يدخلون بذلك في ولاية المسلمين ، وكان ذلك قد يشغل السامعين عن ولاية ذوي أرحامهم من المسلمين ، جاءت هذه الآية تذكّر بأنّ ولاية الأرحام قائمة وأنّها مرجّحة لغيرها من الولاية فموقعها كموقع الشروط ، وشأن الصفات والغايات بعد الجمل المتعاطفة أنّها تعود إلى جميع تلك الجمل ، وعلى هذا الوجه لا تكون هذه الآية ناسخة لما اقتضته الآيات قبلها من الولاية بين المهاجرين والأنصار بل مقيّدة الإطلاق الذي فيها.
وظاهر لفظ (الْأَرْحامِ) جمع رحم وهو مقرّ الولد في بطن أمّه ، فمن العلماء من أبقاه على ظاهره في اللغة ، فجعل المراد من أولي الأرحام ذوي القرابة الناشئة عن الأمومة ، وهو ما درج عليه جمهور المفسّرين ، ومنهم من جعل المراد من الأرحام العصابات دون المولودين بالرحم. قاله القرطبي ، واستدلّ له بأنّ لفظ الرحم يراد به العصابة ، كقول العرب في الدعاء «وصلتك رحم» ، وكقول قتيلة بنت النضر بن الحارث :
ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه |
|
لله أرحام هناك تمزّق |
حيث عبرت عن نوش بني أبيه بتمزيق أرحام.
وعلم من قوله : (أَوْلى) هو صيغة تفضيل أنّ الولاية بين ذوي الأرحام لا تعتبر إلا بالنسبة لمحلّ الولاية الشرعية فأولوا الأرحام أولى بالولاية ممّن ثبتت لهم ولاية تامّة أو ناقصة كالذين آمنوا ولم يهاجروا في ولاية النصر في الدين إذا لم يقم دونها مانع من كفر أو ترك هجرة ، فالمؤمنون بعضهم لبعض أولياء ولاية الإيمان ، وأولو الأرحام منهم بعضهم لبعض أولياء ولاية النسب ، ولولاية الإسلام حقوق مبيّنة بالكتاب والسنّة ، ولولاية الأرحام حقوق مبيّنة أيضا ، بحيث لا تزاحم إحدى الولايتين الأخرى ، والاعتناء بهذا البيان مؤذن بما لوشائج الأرحام من الاعتبار في نظر الشريعة ، فلذلك علقت أولوية الأرحام بأنّها كائنة في كتاب الله أي في حكمه.
وكتاب الله قضاؤه وشرعه ، وهو مصدر ، إمّا باق على معنى المصدرية ، أو هو بمعنى