والياء وكانت السابقة ساكنة قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء ، ثم اشتقوا منه تحيّز ، فوزنه تفيعل وهو مختار صاحب «الكشاف» جريا على القياس بقدر الإمكان ، وجوّز التفتازاني أن يكون وزنه تفعّل بناء على اعتباره مشتقا من الكلمة الواقع فيها الإبدال والإدغام وهي الحيز ، ونظّره بقولهم : «تديّر» بمعنى الإقامة في الدار ، فإن الدار مشتقة من الدوران ولذلك جمعت على دور ، إلّا أنه لما كثر في جمعها ديار وديرة عوملت معاملة ما عينه ياء ، فقالوا من ذلك تديّر بمعنى أقام في الدار وهو تفعّل من الدار ، واحتج بكلام ابن جني والمرزوقي في «شرح الحماسة» ، يعني ما قال ابن جني في «شرح الحماسة» عند قول جابر بن حريش :
إذ لا تخاف حدوجنا قذف النّوى |
|
قبل الفساد إقامة وتديرا |
«التدير تفعّل من الدار وقياسه تدور إلّا أنه لما كثر استعمالهم ديار أنسوا بالياء ووجدوا جانبها أوطا حسّا وألين مسّا فاجتروا عليها فقالوا تدير» وما قال المرزوقي «الأصل في تدير الواو ولكنهم بنوه على ديار لإلفهم له بكثرة تردده في كلامهم».
فمعنى (مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) أن يكون رجع القهقرى ليلتحق بطائفة من أصحابه فيتقوى بهم.
والفئة الجماعة من الناس ، وقد تقدم في سورة البقرة [٢٤٩] في قوله : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ) وتطلق على مؤخرة الجيش لأنها يفيء إليها من يحتاج إلى إصلاح أمره أو من عرض له ما يمنعه من القتال من مرض أو جراحة أو يستنجد بهم ، فهو تولّ لمقصد القتال ، وليس المراد أن ينحاز إلى جماعة مستريحين لأن ذلك من الفرار ، ويدخل في معنى التحيز إلى الفئة الرجوع إلى مقر أمير الجيش للاستنجاد بفئة أخرى ، وكذلك القفول إلى مقر أمير المصر الذي وجه الجيش للاستمداد بجيش آخر إذا رأى أمير الجيش ذلك من المصلحة كما فعل المسلمون في فتح إفريقية وغيره في زمن الخلفاء ، ولما انهزم أبو عبيد بن مسعود الثقفي يوم الجسر بالقادسية ، وقتل هو ومن معه من المسلمين ، قال عمر بن الخطاب : هلّا تحيّز إليّ فأنا فئته.
و (باءَ) رجع. والمعنى أن الله غضب عليه في رجوعه ذلك فهو قد رجع ملابسا لغضب الله تعالى عليه. ومناسبة (باء) هنا أنه يشير إلى أن سبب الغضب عليه هو ذلك البوء الذي باءه. وهذا غضب الله عليه في الدنيا المستحق الذم وغيره مما عسى أن يحرمه عناية الله تعالى في الدنيا ، ثم يترتب عليه المصير إلى عذاب جهنم ، وهذا يدل على أن