و (الأدبار) جمع دبر ، وهو ضدّ قبل الشيء وجهه ، وما يتوجه إليك منه عند إقباله على شيء وجعله أمامه ، ودبره ظهره وما تراه منه حين انصرافه وجعله إياك وراءه ، ومنه يقال استقبل واستدبر وأقبل وأدبر ، فمعنى توليتهم الأدبار صرف الأدبار إليهم ، أي الرجوع عن استقبالهم ، وتولية الأدبار كناية عن الفرار من العدو بقرينة ذكره في سياق لقاء العدو ، فهو مستعمل في لازم معناه مع بعض المعنى الأصلي ، وإلّا فإن صرف الظهر إلى العدو بعد النصر لا بد منه وهو الانصراف إلى المعسكر ، إذ لا يفهم أحد النهي عن إدارة الوجه عن العدو ، وإلّا للزم أن يبقى الناس مستقبلين جيش عدوهم ، فلذلك تعين أن المفاد من قوله : (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) النهي عن الفرار قبل النصر أو القتل.
وعبر عن حين الزحف بلفظ اليوم في قوله (يَوْمَئِذٍ) أي يوم الزحف أي يولهم يوم الزحف دبره أي حين الزحف.
ومن ثم استثني منه حالة التحرف لأجل الحيلة الحربية والانحياز إلى فئة من الجيش للاستنجاد بها أو لإنجادها.
والمستثنى يجوز أن يكون ذاتا مستثنى من الموصول في قوله (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ) والتقدير : إلّا رجلا متحرفا لقتال ، فحذف الموصوف وبقيت الصفة ، ويجوز أن يكون المستثنى حالة من عموم الأحوال دل عليها الاستثناء أي إلّا في حال تحرفه لقتال.
و (التحرف) الانصراف إلى الحرف ، وهو المكان البعيد عن وسطه فالتحرف مزايلة المكان المستقر فيه والعدول إلى أحد جوانبه ، وهو يستدعي تولية الظهر لذلك المكان بمعنى الفرار منه.
واللام للتعليل أي إلّا في حال تحرف أي مجانبة لأجل القتال ، أي لأجل أعماله إن كان المراد بالقتال الاسم ، أو لأجل إعادة المقاتلة إن كان المراد بالقتال المصدر ، وتنكير قتال يرجح الوجه الثاني ، فالمراد بهذا التحرف ما يعبر عنه بالفرّ لأجل الكرّ فإن الحرب كرّ وفرّ ، وقال عمرو بن معديكرب :
ولقد أجمع رجليّ بها |
|
حذر الموت وإني لفرور |
ولقد أعطفها كارهة |
|
حين للنفس من الموت هرير |
كل ما ذلك مني خلق |
|
وبكل أنا في الروع جدير |
والتحيز طلب الحيز فيعل من الحوز ، فأصل إحدى ياءيه الواو ، فلما اجتمعت الواو