والتعريف بالموصولية في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) للتنبيه على أن الموصوفين بهذه الصلة من شأنهم أن يتقبلوا ما سيؤمرون به ، وأنه كما كان الشرك مسببا لمشاقة لله ورسوله في قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأنفال : ١٣] ، فخليق بالإيمان أن يكون باعثا على طاعة الله ورسوله ، فقوله هنا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يساوي قوله في الآية المردود إليها : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال : ١] ، مع الإشارة هنا إلى تحقق وصف الإيمان فيهم وأن إفراغه في صورة الشرط في الآية السابقة ما قصد منه إلّا شحذ العزائم ، وبذلك انتظم هذا الأسلوب البديع في المحاورة من أول السورة إلى هنا انتظاما بديعا معجزا.
والطاعة امتثال الأمر والنهي. والتولي الانصراف ، وتقدم آنفا ، وهو مستعار هنا للمخالفة والعصيان.
وإفراد الضمير المجرور ب (عن) لأنه راجع إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، إذ هذا المناسب للتولي بحسب الحقيقة. فإفراد الضمير هنا يشبه ترشيح الاستعارة ، وقد علم أن النهي عن التولي عن الرسول نهي عن الإعراض عن أمر الله لقوله : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ)[الأعراف: ٨٠] وأصل (تَوَلَّوْا) تتولوا ـ بتاءين حذفت إحداهما تخفيفا.
وجملة : (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) في موضع الحال من ضمير (تَوَلَّوْا) والمقصود من هذه الحال تشويه التولي المنهي عنه ، فإن العصيان مع توفر أسباب الطاعة أشد منه في حين انخرام بعضها. فالمراد بالسمع هنا حقيقته أي في حال لا يعوزكم ترك التولي بمعنى الإعراض ـ وذلك لأن فائدة السمع العمل بالمسموع ، فمن سمع الحق ولم يعمل به فهو الذي لا يسمع سواء في عدم الانتفاع بذلك المسموع ، ولما كان الأمر بالطاعة كلام يطاع ظهر موقع (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) فلما كان الكلام الصادر من الله ورسوله من شأنه أن يقبله أهل العقول كان مجرد سماعه مقتضيا عدم التولي عنه ، ضمن تولى عنه بعد أن سمعه فأمر عجب ثم زاد في تشويه التولي عن الرسول صلىاللهعليهوسلم بالتحذير من التشبه بفئة ذميمة يقولون للرسول عليه الصلاة والسلام : سمعنا ، وهم لا يصدقونه ولا يعملون بما يأمرهم وينهاهم.
و (إن) للتمثيل والتنظير في الحسن والقبيح أثرا عظيما في حث النفس على التشبه أو التجنب ، وهذا كقوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً) [الأنفال : ٤٧] وسيأتي وأصحاب هذه الصلة معروفون عند المؤمنين بمشاهدتهم ، وبإخبار القرآن عنهم ، فقد عرفوا ذلك من المشركين من قبل ، قال تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) [الأنفال : ٣١] وقال : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ