البقرة [٢٣٥] التعريض أن تذكر شيئا يدل به على شيء لم تذكره يريد أن تذكر كلاما دالا كما يقول المحتاج لغيره جئت لأسلم عليك.
قلت : ومن أمثلة التعريض قول القائل ـ حين يسمع رجلا يسب مسلما أو يضربه ـ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، فكذلك قوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ) لم يرد به لازم معنى ألفاظ ولا لازم معنى الكلام ، ولكن أريد به لازم النطق به في ذلك المكان بدون مقتض للإخبار من حقيقة ولا مجاز ولا تمثيل.
والفرق بين التعريض وبين ضرب المثل : أن ضرب المثل ذكر كلام يدل على تشبيه هيئة مضربه بهيئة مورده ، والتعريض ليس فيه تشبيه هيئة بهيئة. فالتعريض كلام مستعمل في حقيقته أو مجازه ، ويحصل به قصد التعريض من قرينة سوقه فالتعريض من مستتبعات التراكيب.
وهذه الآية تعريض بتشبيههم بالدواب ، فإن الدواب ضعيفة الإدراك ، فإذا كانت صماء كانت مثلا في انتفاء الإدراك ، وإذا كانت مع ذلك بكما انعدم منها ما انعدم منها ما يعرف به صاحبها ما بها ، فانضم عدم الإفهام إلى عدم الفهم ، فقوله : (الصُّمُّ الْبُكْمُ) خبران عن الدواب بمعناهما الحقيقي ، وقوله : (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) خبر ثالث ، وهذا عدول عن التشبيه إلى التوصيف لأن (الَّذِينَ) مما يناسب المشبّهين إذ هو اسم موصول بصيغة جمع العقلاء وهذا تخلص إلى أحوال المشبهين كما تخلص طرفة في قوله :
خذول تراعي ربربا بخميلة |
|
تناول أطراف البرير وترتدي |
وتبسم عن ألمى كأنّ منوّرا |
|
توسط حر الرمل دعص له ندي |
و (شَرَّ) اسم تفضيل ، وأصله «أشر» فحذفت همزته تخفيا كما حذفت همزة خير كقوله تعالى : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ) [المائدة : ٦٠] الآية.
والمراد بالدواب معناه الحقيقي ، وظاهر أن الدابة الصمّاء البكماء أخسّ الدواب.
(عِنْدَ اللهِ) قيد أريد به زيادة تحقيق كونهم ، أشر الدواب بأن ذلك مقرر في علم الله ، وليس مجرد اصطلاح ادعائي ، أي هذه هي الحقيقة في تفاضل الأنواع لا في تسامح العرف والاصطلاح ، فالعرف يعد الإنسان أكمل من البهائم ، والحقيقة تفصل حالات الإنسان فالإنسان المنتفع بمواهبه فيما يبلغه إلى الكمال هو بحق أفضل من العجم ، والإنسان الذي دلّى بنفسه إلى حضيض تعطيل انتفاعه بمواهبه السامية يصير أحط من