العجماوات.
والمشبهون بالصم البكم هم الذين قالوا (سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ، شبهوا بالصم في عدم الانتفاع بما سمعوا لأنه مما يكفي سماعه في قبوله والعمل به وشبهوا بالبكم في انقطاع الحجة والعجز عن رد ما جاءهم به القرآن فهم ما قبلوا ولا أظهروا عذرا عن عدم قبوله.
ولما وصفهم بانتهاء قبول المعقولات والعجز عن النطق بالحجة أتبعه بانتفاء العقل عنهم أي عقل النظر والتأمل بله عقل التقبل ، وقد وصف بهذه الأوصاف في القرآن كل من المشركين والمنافقين في مواضع كثيرة.
ولعل ما روي عن ابن عباس من قوله إن الآية نزلت في نفر من بني عبد الدار كما تقدم آنفا إنما عنى بهم نزول قوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) لأنهم الذين قالوا مقالة تقرب مما جاء في الآية.
وجملة : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) يجوز أن تكون معطوفة على جملة : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ) إلخ باعتبار أن الدواب مشبه به الذين قالوا (سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ويجوز أن تكون معطوفة على شبه الجملة في قوله : (كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) وقد سكت المفسرون عن موقع إعراب هذه الجملة وهو دقيق والمعنى أن جبلتهم لا تقبل دعوة الخير والهداية والكمال ، فلذلك انتفى عنهم الانتفاع بما يسمعون من الحكمة والموعظة والإرشاد ، فكانوا كالصم ، وانتفى عنهم أن تصدر منهم الدعوة إلى الخير والكلام بما يفيد كمالا نفسانيا فكانوا كالبكم ، فالمعنى : لو علم الله في نفوسهم قابلية لتلقي الخير لتعلقت إرادته بخلق نفوذ الحق في نفوسهم لأن تعلق الإرادة يجري على وفق التعلم ، ولكنهم انتفت قابلية الخير عن جبلتهم التي جبلوا عليها فلم تنفذ دعوة الخير من أسماعهم إلى تعقلهم ، أي بحيث لا يدخل الهدى إلى نفوسهم إلّا بما يقلب قلوبهم من لطف إلّا هي بنحو اختراق أنوار نبوية إلى قلوبهم.
و (لَوْ) حرف شرط يقتضي انتفاء مضمون جملة الشرط وانتفاء مضمون جملة الجزاء لأجل انتفاء مضمون الشرط والاستدلال بانتفاء الجزاء على تحقق انتفاء الشرط.
و (في) للظرفية المجازية التي هي في معنى الملابسة ، ومن لطائفها هنا أنها تعبر عن ملابسه باطنية.