أسلم فأصبح من خيرة المسلمين.
وجملة : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) معطوفة على جملة : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) أي لأفهمهم ما يسمعون وهو ارتقاء في الأخبار عنهم بانتفاء قابلية الاهتداء عن نفوسهم في أصل جبلتهم. فإنهم لما أخبر عنهم بانتفاء تعلمهم الحكمة والهدى فلذلك انتفى عنهم الاهتداء ، ارتقى بالإخبار في هذا المعنى بأنهم لو قبلوا فهم الموعظة والحكمة فيما يسمعونه من القرآن وكلام النبوة لغلب ما في نفوسهم من التخلق بالباطل على ما خالطها من إدراك الخير ، فحال ذلك التخلق بينهم وبين العمل بما علموا ، فتولوا وأعرضوا.
وهذا الحال المستقر في نفوس المشركين متفاوت القوة ، وبمقدار تفاوته وبلوغه نهايته تكون مدة دوامهم على الشرك ، فإذا انتهى إلى أجله الذي وضعه الله في نفوسهم وكان انتهاؤه قبل انتهاء أجل الحياة استطاع الواحد منهم الانتفاع بما يلقى إليه فاهتدى ، وعلى ذلك حال الذين اهتدوا منهم إلى الإسلام بعد التريّث على الكفر زمنا متفاوت الطول والقصر.
وأعلم أن ليس عطف جملة : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) على جملة : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) بمقصود منه تفرع الثانية على الأولى تفرع القضايا بعضها على بعض في تركيب القياس ، لأن ذلك لا يجيء في القياس الاستثنائي ولا أنه من تفريع النتيجة على المقدمات لأن تفريع الأقيسة بتلك الطريقة التي تشبه التفريع بالفاء ليس أسلوبا عربيا ، فالجملتان في هذه الآية كل واحدة منهما مستقلة عن الأخرى ، ولا تجمع بينهما إلّا مناسبة المعنى والغرض ، فليس اقتران هاتين الجملتين هنا بمنزلة اقتران قولهم لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجودا ، ولو كان النهار موجودا لدرجت الدواجن ، فإنه قد ينتج : لو كانت الشمس طالعة لدرجت الدواجن ، بواسطة تدرج اللزومات في ذهن المحجوج تقريبا لفهمه ، فإن ذلك بمنزلة التصريح بنتيجة ثم جعل تلك النتيجة الحاصلة مقدمة قياس ثان فتطوى النتيجة لظهورها اختصارا ، وهذا ليس بأسلوب عربي إنما الأسلوب العربي في إقامة الدليل بالشرطية أن يقتصر على مقدّم وتال ، ثم يستدرك عليه بالاستنتاج بذكر نقيض المقدم كقول أبي بن سلمى بن ربيعة يصف فرسه :
ولو طار ذو حافر قبلها |
|
لطارت ولكنه لم يطر |
وقول المعري :