الزهري والكلبي ، وعبد الله بن أبي قتادة ، أنها نزلت في أبي لبابة (١) بن عبد المنذر الأنصاري لما حاصر المسلمون بني قريظة ، فسألت بنو قريظة الصلح فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تنزلون على حكم سعد بن معاذ» فأبوا وقالوا : «أرسل إلينا أبا لبابة» فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أبا لبابة وكان ولده وعياله وماله عندهم ، فلما جاءهم قالوا له ما ترى أننزل على حكم سعد ، فأشار أبو لبابة بيده على حلقه : أنّه الذبح ، ثم فطن أنه قد خان الله ورسوله فنزلت فيه هذه الآية ، وهذا الخبر لم يثبت في الصحيح ، ولكنه اشتهر بين أهل السير والمفسرين ، فإذا صح ، وهو الأقرب كانت الآية مما نزل بعد زمن طويل من وقت نزول الآيات التي قبلها ، المتعلقة باختلاف المسلمين في أمر الأنفال فإن بين الحادثتين نحوا من ثلاث سنين ويقرب هذا ما أشرنا إليه آنفا من انتفاء وقوع خيانة لله ورسوله بين المسلمين.
والخون والخيانة : إبطال ونقض ما وقع عليه تعاقد من دون إعلان بذلك النقض ، قال تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [الأنفال : ٥٨] والخيانة ضد الوفاء قال الزمخشري : «وأصل معنى الخون النقص ، كما أن أصل الوفاء التمام ، ثم استعمل الخون في ضد الوفاء لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه» أي واستعمل الوفاء في الإتمام بالعهد ، لأن من أنجز بما عاهد عليه فقد أتم عهده فلذلك يقال : أوفى بما عاهد عليه.
فالإيمان والطاعة لله ورسوله عهد بين المؤمن وبين الله ورسوله ، فكما حذروا من المعصية العلنية حذروا من المعصية الخفية.
وتشمل الخيانة كل معصية خفية ، فهي داخلة في (لا تَخُونُوا) ، لأن الفعل في سياق النهي يعم ، فكل معصية خفية فهي مراد من هذا النهي ، فتشمل الغلول الذي حاموا حوله في قضية الأنفال ، لأنهم لما سأل بعضهم النفل وكانوا قد خرجوا يتتبعون آثار القتلى ليتنفلوا منهم ، تعين تحذيرهم من الغلول ، فذلك مناسبة وقع هذه الآية من هذه الآيات سواء صح ما حكي في سبب النزول أم كانت متصلة النزول بقريناتها.
وفعل «الخيانة» أصله أن يتعدى إلى مفعول واحد وهو المخون ، وقد يعدى تعدية ثانية إلى ما وقع نقضه ، يقال : خان فلانا أمانته أو عهده ، وأصله أنه نصب على نزع الخافض ، أي خانه في عهده أو في أمانته ، فاقتصر في هذه الآية على المخوف ابتداء ،
__________________
(١) قيل : اسمه رفاعة ، وقيل : مروان ، وقيل : هارون ، وقيل : غير ذلك ، واشتهر بكنيته.