حقيق بأن تكرم ولا يمنعك من الإكرام شيء ، فاللفظ نفي لمانع الفعل ، والمقصود أن الفعل توفرت أسبابه ثم انتفت موانعه ، فلم يبق ما يحول بينك وبينه.
وقد يتركون (أن) ويقولون : ما لك لا تفعل فتكون الجملة المنفية بعد الاستفهام في موضع الحال وتكون تلك الحال هي مثير الاستفهام الإنكاري ، وهذا هو المعنى الجاري على الاستعمال.
وجوزوا أن تكون (ما) في الآية نافية فيكون (أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ) اسمها و (لَهُمْ) خبرها والتقدير وما عدم التعذيب كائنا لهم.
وجملة : (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) في موضع الحال على التقديرين.
والصد الصرف ، ومفعول (يَصُدُّونَ) محذوف دل عليه السياق ، أي يصدون المؤمنين عن المسجد الحرام بقرينة قوله : (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) فكان الصد عن المسجد الحرام جريمة عظيمة يستحق فاعلوه عذاب الدنيا قبيل عذاب الآخرة ، لأنه يؤول إلى الصد عن التوحيد لأن ذلك المسجد بناه مؤسسه ليكون علما على توحيد الله ومأوى للموحدين ، فصدهم المسلمين عنه ، لأنهم أمنوا بإله واحد ، صرف له عن كونه علما على التوحيد ، إذ صار الموحدون معدودين غير أهل لزيادته ، فقد جعلوا مضادين له ، فلزم أن يكون ذلك المسجد مضادا للتوحيد وأهله ، ولذلك عقب بقوله : (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) وهذا كقوله : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الحج : ٢٥] ، والظلم الشرك لقوله : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣].
وهذا الصد الذي ذكرته الآية : هو عزمهم على صدّ المسلمين المهاجرين عن أن يحجوا ويعتمروا ، ولعلهم أعلنوا بذلك بحيث كان المسلمون لا يدخلون مكة. وفي «الكشاف» : «كانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء».
قلت : ويشهد لذلك قضية سعد بن معاذ مع أبي جهل ففي «صحيح البخاري» عن عبد الله بن مسعود ، أنه حدث عن سعد بن معاذ : «أنه كان صديقا لأمية بن خلف ، وكان أمية إذا مرّ بالمدينة نزل على سعد ، وكان سعد إذ مرّ بمكة نزل على أمية ، فلما هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة انطلق سعد معتمرا فنزل على أمية بمكة فقال لأمية انظر لي ساعة خلوة لعلي أطوف بالبيت فخرج قريبا من نصف النهار ، فلقيهما أبو جهل ، فقال : يا أبا صفوان من (كنية أمية بن خلف) هذا معك ـ فقال : هذا سعد ، فقال له أبو جهل : ألا