تعالى في أصل القلة : (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ويكذبهم في هذه التي زعموها من الزمن ، إذ يجيب عن زعمهم (ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٣٠ : ٥٦).
والقلة لمكث الدنيا هنا قلتان : ١ ـ القلة بجنب الآخرة من كافة الجهات غير التكليفية ، وقد صدقها الله تعالى تنديدا بمن كان يؤصّلها ويكثرها بنكران الآخرة ، أو أنها كمثل الدنيا : (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٣ : ١١٧) ، فإن الحياة الدنيا مهما طالت وازدهرت فهي قليلة بجنب الحياة الخالدة.
٢ ـ وقلة يزعمها المتخلفون أننا ما أمهلنا في حياة التكليف إلا قليلا لا يكفي لأداء الواجب ، فهذا ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) (١٧ : ٥٢).
وهم الذين يلتمسون من الله الرجوع إلى الدنيا لكي يعملوا صالحا غير الذي كانوا يعملون ، كأن الوقت ما كان كافيا لما هم يأملون : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (٣٥ : ٣٧).
أجل وإن حياة التكليف كثيرة ـ مهما قلت ـ لمن أراد أن يتذكر ، إذ إنها ـ كلها ـ ذكرى لمن ألقى السمع وهو شهيد .. مهما كانت هي وحياة البرزخ قليلة بجنب الحياة الآخرة الخالدة.
ولبث البرزخ يحسب قليلا وهو صادق بما عاشوها من حياة أكثرها النوم ، وبما قاسوها إلى الآخرة ، وهو كاذب على ما حددوه من ساعة أو يوم أو بعض يوم أو عشر.