فأهل البرزخ أغلب أوقاتهم في غفوة ونوم إلى حيث سمي البرزخ مرقدا : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ..) (٣٦ : ٥٢) وإنما يقظتهم في الغدو والعشي (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (٤٠ : ٤٦) (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (١٩ : ٦٢).
.. فمن قائل من المجرمين أنه لبث ساعة من نهار ، ومن قائل : عشية أو ضحاها ، وكما يناسب يقظتهم ، وعلّ المسلمين أيضا يجيبون عن قدر مكثهم أنه أحد الجديدين : ليل أو نهار ، فإنهم ـ ومعهم غيرهم : «لا يتعارفون لليل صباحا ولا لنهار مساء ، أي الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا» (١) فإن ذهبوا في نهار لم يعرفوا له ليلا ، أو في ليل لم يعرفوا له نهارا .. لذلك يترددون في قدر مكثهم بين عشية أو ضحاها ، أو ساعة من نهار أو عشر ، لكن الصادقين في إيمانهم منهم ، الذين أوتوا العلم والإيمان ، إنهم لا يحددون موقف البرزخ بهذا وذاك ، وإنما مقالتهم (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٣٠ : ٥٦) .. ولئن قالوا إنهم لبثوا قليلا فقد صدق الله مقالتهم : (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً ..) (١٧ : ٥٢) ، فإنه ـ حقا ـ كان قليلا بجنب الحياة الآخرة ، ولأنهم كانوا في البرزخ رقادا نوّما إلا قليلا ، فهم ـ إذا ـ ينظرون إلى أصل القلة لا حدّها ، كما ويصدّق المجرمون أيضا في أصلها وقد يروى عن الرسول الأقدس في تفسير الآية قوله : «إن الله إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، قال لأهل الجنة : (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ،) قالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم ، قال : لنعم ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم رحمتي ورضواني وجنتي ، اسكنوا فيها خالدين مخلدين ، ثم يقول : يا أهل النار كم لبثتم
__________________
(١) عن علي أمير المؤمنين في نقل السيد الشريف الرضي في نهج البلاغة.