وكذلك الموؤودة كانت ثقلا عند العرب الجاهلي ، وفي عصر الصاروخ أيضا من جهات عدة.
ان الموؤودة ، المسؤولة ـ عنها ولها ـ هي البنت إذ كانت عبئا وثقلا ـ زعم العرب الجاهلي ـ في الحياة : المادية منها والمعنوية سواء ، ثقل المعيشة وثقل العار ، فكانوا يثقلونها بالتراب تخفيفا عنهم ثقلي الحياة ، وعلّها سميت موءودة لهذه الأثقال الثلاثة كلّها.
ورغم أن الوأد «الثقل» الأوّل كان خاصا بالفقراء ، وأكثرهم كانوا فقراء : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ ـ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ـ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) (٦ : ١٥١ ـ ١٧ : ٣١). كان الأخيران يعم عرب الجزيرة كلهم : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (١٦ : ٥٧ ـ ٥٨).
وإذا الموؤودة التي زعمت ثقلا : ماديا ومعنويا ـ ولذلك كانت تثقل بالتراب ـ إنها سئلت ، بأيّ ذنب قتلت.
ولقد كان من هوان تاريخ الإنسان عادة وأد البنات المظلومات خوف الفقر والعار ، والقرآن يندد بها في مواضع عدة ، وأنهن إذا كن عارا فلما ذا تنسبون إلى الله البنات : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) (٥٢ : ٣٩) (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ. وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (٤٣ : ١٦ ـ ١٨).
يختص القرآن هذه العملية الوحشية القاسية هنا بذكرها في طيّات علامات الطامة الكبرى وآثارها ، إيحاء إلى أنها من أقسى وأوحش ما مضى على تاريخ الإنسان ، إنها طامة من الطامات ، يحاسب بها فاعلها أول ما يقوم يوم الحساب ،