وهذه الحقيقة الناصعة لا يستشهد لها بأي من كائنات الوجود (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ. إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٦٩ : ٣٩ ـ ٤٤).
بل ولا بأظهر ما تبصرون (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (٥٦ : ٧٥ ـ ٨٢).
فهذه النجوم السماوية الواقعة في عمق الفضاء ، من النيازك النارية التي تقذف الشياطين المسترقين السمع في الملأ الأعلى ، والأحجار السماوية التي تقذف شياطين الأرض ، ومن النجوم الواقعة في مداراتها لتطلع أو لتغرب ... لا أقسم بها لإثبات أن الآي القرآنية هي نجوم سماء الوحي الضاربة في أعماق الأفكار والقلوب ، المنيرة للمهتدين ، والمظلمة على المعاندين.
لا أقسم بها ، لأن نجوم القرآن هي أظهر للبصائر ، رغم الأبصار الكليلة التي تعمى عنها أو تتطمى ، وكيف يقسم للنجوم الزاهرة الخالدة بالخنس الجواري الكنس!.
وقد يكون لا أقسم في حين كونه «اللاقسم» توجيها لما يصلح أن يكون قسما لمن كان بصره أقوى من بصيرته ، جمعا بين جماع الناس ، فمن أراد أن يتذكر بالآيات الكونية لإثبات وحي القرآن ، فالكون كله يصلح له شاهدا مما يرى منه وما لا يرى : ما يرى من النجم والشمس والقمر ، وما لا يرى من العقول والفكر والفطر.
ومن أراد أن يستدل بالقرآن نفسه على وحيه فها هو القرآن أظهر برهان وأزهره (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).