فهي التي تعرّفنا الغيب ومنه الوحي ومنه ملائكة الوحي الغائبون عن الإحساس.
إنما موضوع الرسالة هنا هو الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي صاحبهم عمرا قبلها ، وهم ينسبونه إلى الشعر والسحر والكهانة والشيطنة والجنون ، الصفات التي تتنافى والكرامة والمكانة عند الله والقوة الروحية التي تؤهله لتلقي الوحي ، والمعرفة الإلهية لحد الرؤية : كأنه رآه! (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) وكونه مطاعا في دوره الرسالي وأمينا في دعوته.
«ذي قوة» : فكما الله هو شديد القوى : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) كذلك الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ذو قوة : (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) قوة معرفيه تؤهله لتلقي الوحي ، فليس ضعيفا يتشبث بالشعر والكهانة والسحر ، ولا ضعيف العقل مجنونا ، ولا ضعيف التمييز لكي لا يميز وحي الرحمان عن وحي الشيطان ، ولا ضعيف الإيمان لكي يخون في الوحي الإلهي ـ وإنما : «ذي قوة» وكما الله شديد القوى.
نلمس هذه القوى الروحية من القرآن نفسه ، دون أن تكون دعوى بلا برهان لرسول القرآن ، فقوة القرآن تشهد لقوة الرسول وكما قوة الرسول تشهد لقوة القرآن : قوتان متناصرتان.
(عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) : ذي قوة عند ذي العرش ، مكين عنده ، أو : ذي قوة ، مكين عند ذي العرش ، والأوّل أولى وأليق ، أن الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ليس ذا قوة في موازين الأرض : أنه قوي الساعد شجاع في الحروب ، وإنما (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) والقوة عند الله إله القوى ، قوة ربانية لا قبل لها ولا مثيل في ملإ العالمين من الملائكة ومن الجنة والناس أجمعين.
والقوة عند ذي العرش ـ وهو صاحب عرش الألوهية ـ إنها قوة عرشية تعلو سائر القوى وكما القدرة الإلهية تعلوها ، ولكن قوة ذي العرش (شَدِيدُ