الْقُوى) وهي من ذاته المقدسة ، وأما (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) فإنما له قوة من القوى غير شديدة ، وهي من ذي العرش ، دون أن يملك الرسول هذه القوة لذاته ، وإنما هي رحمة من الله خاصة لرسوله الكريم الأمين.
لكنما القوة هذه على قلتها وعدم شدتها تجاه القوة الإلهية ، إنها تعلو القوى غير الإلهية كلها ، ملائكية وبشرية وسواهما.
«مكين» * : عند ذي العرش ، إن له مكانة عرشية خاصة عند ذي العرش ليست لغيره من ذوي المكانات من خملة الرسالات الإلهية.
(مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) :
«مطاع» عند ذي العرش يطيعه من عنده من أصحاب القوى وذوي المكانات ، وكما نرى جبريل ، رسول الله إلى الرسل ، يخدمه ويطيعه ، فليس كيانه إلا كيان الوسيط بينه وبين الله ، لا لأن الرسول بحاجة إلى وساطته ـ إذ هو أقرب إلى الله وأقوى ـ وإنما لكي لا يظن به الناس ما ظنوه في بعض المرسلين من الألوهية كأنهم يقولون من عند أنفسهم دونما وحي ، فإذ يصرح الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أن جبريل هو الوسيط بينه وبين ربه في وحيه ، فهنا تنطمس الظنون : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (١٦ : ١٠٢).
فليست الغاية من نزول روح القدس إلا تثبيت المؤمنين ، لئلا يقولوا ما قيل من قبلهم للرسل إنهم آلهة كما ظنوا في المسيح عليه السّلام.
(ثَمَّ أَمِينٍ) : عند ذي العرش ، أمين على وحي الله ورسالة الله ودين الله ، ولقد عاش قبل الرسالة أيضا أمينا لحدّ سموه محمّد الأمين ، وهذه الأمانة المسبقة في الناس وعند الناس ، تجعله ـ وبالأحرى ـ أمينا عند الله : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)