وهم يعلمون أنه صاحب الروح الرسالية ، اتهموه لكثرة إثمهم وحنقهم وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٢ : ١٤٦). (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٦٨ : ٥١).
وتقول التوراة أيضا : «يدعو ييسرائيل إوايل حنبيا مشوكاع إيش هاروح عل روب عونخا ورباه مسطماه» :
«بنو إسرائيل يعلمون ويعرفون أن النبي الأمي المجنون صاحب روح إلهامي وصاحب وحي».
هكذا يجابه ويواجه أعقل العقلاء : أنه مجنون ـ مستور العقل ـ لا لشيء إلا لأنه يدعوهم إلى غير ما يشتهون؟ فهل لأنه يضاد آراءهم المفندة أصبح مجنونا؟ إذا فكل الناس مجانين لأنهم ـ كلهم ـ مختلفون في آرائهم ، يجنن بعضهم البعض! فمجانين بالإجماع!.
أو لأنه يعمل الأعمال المجنونة من ضرب وفتك وهتك وسب وقتل وحركات أخرى لا يصدقها العقل. فما هي؟ إنها ليست إلا التوجيهات التي تصدقها العقول والفكر والفطر ، فإذا دحض حججهم وفنّد آراءهم يتمسكون بما يزيف مكانته ، من الجنون والسحر والكهانة والشعر دونما حجة إلا الدعايات والعربدات الهمجية.
(وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) : إنه لبث فيكم عمرا قبل الرسالة وصاحبكم عاقلا صادقا أمينا لحد سمّي بمحمد الأمين ، فهذه المصاحبة العاقلة الأمينة هي الكافية لدفع تهمة الجنون عن ساحته القدسية ، فإذا جاءكم بما يصلحكم تقولون إنه لمجنون؟ وما هو إلا ذكر للعالمين ، لمن شاء منكم أن يستقيم.