(وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ. وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ. وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ):
فمن هذا الذي رآه الرسول الكريم بالأفق المبين ، الرؤية التي عدّت من دلائل رسالته الإلهية ومن مفاخرة المعنوية؟
هل إنه جبريل وسيط الوحي؟ ولم يسبق له ذكر! والآيات المسرودة تركّز على رسول واحد ، محمد أم جبريل ، فهل رأى أحدهما نفسه في الأفق المبين؟ ثم رؤية الرسول لجبريل لا تختص بالأفق المبين ، فلقد كان يتشرف ملك الوحي بحضرة الرسول عدد الوحي المفصل ، مئات المئات من المرات ، ثم ليست رؤيته لجبريل من مفاخره ، ولا دليلا على رسالته ، وإنما سماع الوحي ومعدّاته الروحية ، وإنما رؤية الرسول هي مفخرة لجبريل ، رؤية التلميذ أستاذه في تعليم الوحي ، رغم أنه كان وسيطا في ألفاظ الوحي وشيئا من معانيه حسب مقدرته.
فإنما الرؤية هنا كمال المعرفة والزلفى الممكنة للممكنات ، للرسول الأمين ، أن رأى ربه بالأفق المبين : (بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) أعلى الآفاق المعرفية بأعلى الآفاق الكونية : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى. وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى. ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى. ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى. أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (٥٣ : ١ ـ ٢٢).