هنا الآيات تركز على التعليم والرؤية ، وليس لرؤيته صلّى الله عليه وآله وسلّم جبريل ، ولا أنه وسيط وحيه ، ليست لهما كثير أهمية ، ولا أن هناك من ينكر الرؤية والوساطة : أبعد التصديق أنه نبي؟ أم مع نكران نبوته؟ فلا تصل النوبة ـ إذا ـ إلى نكران الرؤية!
وكما درسناه مسبقا في سورة النجم ، بشهادة الآيات أنفسها والروايات : ليس شديد القوى إلا الله (١) ، وإنما رسوله ـ أيا كان ـ هو ذو قوة ، لا شديد القوى.
وشديد القوى ـ هنا ـ أوحى إلى عبده ما أوحى ، فهل يا ترى أن محمدا تنزّل إلى درجة العبودية لوسيط الوحي المفصّل؟ .. ثم جبريل لم يصاحب الرسول إلى عمق المعراج ، إلى سدرة المنتهى ، فكيف رآه الرسول عند السدرة نزلة أخرى؟
ثم القسمة الضيزى بين رؤية محمد ما رأى ، وبين رؤية المشركين اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، ليست هذه القسمة الضيزى «الظالمة» إلا في رؤية الإله ، إن رؤية بالبصر كاللات والعزى ، أم بالبصيرة كما رأى الرسول ربه بنور المعرفة واليقين لآخر درجات الإمكان ، فنكران رؤيته صلّى الله عليه وآله وسلّم ربه هكذا ، في حين يرى المشركون أربابهم ، هذا هو القسمة الضيزى ، لا نكران رؤية جبرائيل!
فقد درج الرسول بكيانه ككل ، بجسمه وروحه ، درج فعرج إلى الأفق الأعلى ، ولأنه ذو مرة : (قوة) فاستوى : استولى على الكون أجمع ، وإلى أعلى الآفاق : الآفاق الكونية إذ وصل إلى سدرة المنتهى ، منتهى الكون وكاهله ، واضعا قدميه عليه فرأى من آيات ربه الكبرى.
__________________
(١) في دعاء الندبة «يا شديد القوى يا من على العرش استوى ـ وفي دعاء : يا شديد القوى ويا شديد المحال» وفي نهج البلاغة : شديد القوى يعني به الله وكما في تفسير القمي أيضا.