«نوراني أراه» (١) ، وقال : «رأيت نورا» .. كل ذلك إشارة إلى المعني من الرؤية : أنها كمال المعرفة بعد خرق الحجب الممكن خرقها لأفضل الكائنات وأشرف الموجودات.
والرسول الكريم وإن كان عارفا بربه حق المعرفة طوال حياته الرسالية ـ مهما اختلفت درجاتها طولها ـ إلا أن طبيعة الحال تقضي في معراج هكذا ، وإلى الأفق الأعلى ، واضعا قدميه على كاهل الكون ، تاركا ما سوى الله تحت قدميه وبقالبه ، بعد أن تركها بقلبه المنير ، متخليا متحللا منقطعا عما سوى الله وحتى عن نفسه المقدسة ، مشتغلا بربه دون سواه ، منعزلا عمن أرسل إليهم لهذه الفترة ، فهذه الحالة تقتضي أن يكون هناك من ربه (قابَ قَوْسَيْنِ) : ليس بينه وبين الله أحد ولا حجاب (أَوْ أَدْنى) : ليس وحتى نفسه المقدسة وهي أقدس الحجب النورانية :
«بيني وبينك إني ينازعني |
|
فارفع بلطفك إني من البين» |
فلم يبق آنذاك حجاب عن المعرفة إلا حجاب ذات الألوهية الذي لن يرتفع أبدا ، فقد خرق ـ إلى الأفق الأعلى وفيه ـ خرق حجب الظلمة وحجب النور ، ناسيا لها وتاركا إياها مشتغلا بربه ، ولو أن بقيت هذه الحالة التجردية للرسول الكريم لاشتغل عن الكون وعن رسالته وعن نفسه وقضى نحبه ، وهذا باب من المعرفة لا يعرفها إلا صاحب المعراج ، وهي التي استدعاها موسى فأجيب : (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) إذ ليس في وسعه العروج إلى هذا الأفق المعرفي كما لا يتسع الجبل فوق ما يتحمل.
(وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) : ليس الرب على غيبه بخيلا : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا
__________________
(١) المصدر أخرج مسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي ذر قال : سألت رسول الله (ص) هل رأيت ربك. فقال : نوراني أراه.