يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (٧٢ : ٢٧).
ليس الرب ضنينا برسوله الكريم على غيبه الممكن كشفه على غيره ، كما وأن الرسول ليس على غيب ما أوحي إليه بضنين على الناس أجمعين ، فلا ضنة لا هنا ولا هناك ، فقد كشف الله عن غيب معرفته وعن غيب وحيه لرسوله الكريم ما لم يكشفه لأحد من العالمين ، ليس لأنه ضنين على من سواه من المرسلين ، وإنما لأن القلوب أوعية المعارف ، لا تعي إلا على قدرها ، فلو حملت فوق مستطاعها لتفتتت كما والجبل لم يتحمل لما تجلى ربه له فوق ما يتحمل ، مثالا لموسى إذ سأله منتهى المطاف في المعرفة ، أنه لا يتحمل.
ولكن الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يؤهل لهكذا كشف عن الغيوب المكنونة الممكن كشفها ، فإذ ليس الله على الغيوب هذه ضنينا ، وقلب محمد يعيها ، وإذ ليس محمد على بلاغ الغيب ضنينا ـ ولأنه يحمل الشريعة الإلهية كلها ، ويتحمل عبء الرسالات كلها ـ لهذا وذاك (رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ)(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى).
(وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) : فهل الشيطان الرجيم يوحي بهذا المنهج القويم لحدّ يفوق سائر الوحي النازل على أنبياء الله من قبل؟
ثم هل الشيطان يعارض نفسه في شيطنة العقائد والتصرفات ـ طوال وحيه ـ ويحافظ على كرامة الله ودين الله كما نلمسه تماما في وحي القرآن؟
فوحي القرآن ليس صادرا إلا عن الله ـ قضية قياسها معها ـ فليس وحيا نفسيا من كاهن ولا مجنون ولا عاقل يتكلم عن وحي نفسه وإن كان عن عقل وصفاء ، وليس وحيا من كاهن ولا شاعر ولا ساحر ولا شيطان ولا مؤمن عاقل عبقري إليه ، فإننا لا نجد أيا من هذا وذاك يلمح من هذا الوحي العظيم ، وهو بنفسه