وأخيرا لا دليل على استيعاب ليلة القدر كلّ سكنة الأرض.
(وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) : إن لهذه الليلة المباركة فضلا سابقا : هو نزول القرآن فيها ، ويكفيها قدرا أن تفوق ليالي التاريخ ، ولها فضل لاحق ، هو تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، وأخيرا : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
فيا لها من كرامة منقطعة النظير لم تسبق في التاريخ ولا تلحقه أيضا.
هنا ندرس ألف شهر ، التي ليلة القدر خير منها : إن ليلة القدر هي ليلة واحدة من السنة ، لا من شهر ، فلما ذا لا تقول : خير من أربع وثمانين سنة؟
الجواب : لزوم التهافت حينذاك ، لأن لكل سنة من هذه السنين ليلة قدر ، فكيف تفضّل ليلة القدر على نفسها بمضاعفات ، ولما قال : خير من ألف شهر ، عرفنا أنها الشهور التي ليست فيها ليلة القدر ، فلا يعني من المفضّل عليه ألف شهر على التوالي ، إنما مقداره على حساب الأيام وهي ثلاثون ألف يوم ، أو ستون ألفا بانضمام النهار ، وهناك روايات متضافرة عن الرسول (ص) وأهل بيته الكرام تصرح بما توحيه الآية.
وهل إن الألف هنا حدّ لا يزيد ولا ينقص ، أم إنه رمز للكثرة اللانهائية ، بما أن حدث هذه الليلة العظيمة يربو على كافة الأحداث العظيمة في الأزمان كلها ، من خيرها ومن شرها؟
قد لا نستطيع أن نتأكد من أحدهما ، إذ إن رمز هذه الكثرة الكثيرة لا بد أن يكون أكثر من الألف بكثير ، فلتكن الألف حدا ثابتا.
وإن ليلة القدر لا تقف خيريتها على ألف شهر ، فما هو الألف بين آلاف السنين من تاريخ الرسالات الإلهية ، وما هو بين آلاف السنين من الدعايات المضادة!