فهل يا ترى إن الأرض سوف تصبح حيوانة أو إنسانة تحدث؟ تحدث بما أحدثه إنسانها في حياة التكليف؟ أم سوف تصبح جبالها كألسنة لها حداد ، وهي بحول الله وقوته تحدث أخبارها .. وكما يتقوّلها القوالون غير المفكرين!
كلا! فما ذا يعنى بهكذا أخبار أجنبية عن كيان الأرض ، المضغوط بها عليها ، فهل إن فيها حجة على أصحاب الأخبار الذين عملوها وأحدثوها؟ كلا! فإنهم
«تعرض عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون ما علمنا شيئا منها فتشهد عليهم الملائكة فيقولون يا رب هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئا» (١)
ثم يأتي الله بشهود العيان ، صور الأعمال وأصوات الأقوال المسجلة في الأرض وفي الأعضاء ، وعند ذلك يبكتون ، أجل وإن الأرض تحدث أخبارها بما شهدتها وسجلتها :
(بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) :
رمز لها في عمق كيانها أن تسجل ما يحدث عليها وما يقال ، من أعمال وأقوال ، ثم تذيع ما سجلته مع سائر الإشهاد يوم يقوم الإشهاد ، وإنه ليس وحي
__________________
(١) رواه القمي في تفسيره عن الصادق (ع) وتتمة الحديث كالتالي : «.. وهو قول الله : يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ، فعند ذلك يختم الله ألسنتهم وينطق جوارحهم فيشهد السمع بما سمع مما حرم الله ، ويشهد البصر بما نظر إلى ما حرم الله ، وتشهد اليدان بما أخذتا ، وتشهد الرجلان بما سعتا فيما حرم الله ، ويشهد الفرج بما ارتكب مما حرم الله ، ثم انطق الله ألسنتهم فيقولون لجلودهم لم شهدتم علينا فيقولون أنطقنا الله الذي انطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون من الله أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون».
أقول : وشهادة الأعضاء هي بروز الصور والأصوات التي تلقتها ، فهي مسجلات إلهية كما الأرض مسجلة ، ثم يصدق النبيون والملائكة الذين يشهدون ، وفق الأرض والأعضاء ، شهود أربعة تحيط بالمجرمين إحاطة كاملة.