فكما كان هذا الهمزة اللمزة ، الذي كان يدأب على الهزء بالناس ، وعلى اغتيابهم وتعييبهم ، في أنفسهم وأعراضهم ، وكان يدأب في تحطيم الكيان الإنساني معنويا وماديا ، وكان ينبذ أناسا مؤمنين كأنهم ليسوا أناسا ... فسوف يكون من المنبوذين المحطمين المرذولين المصغرين : في الحطمة : النار الكثيرة الشديدة الحطم ، لا تبقي ولا تذر.
وإنها ليست نارا تحرق وتحطم الجسد فحسب ، أو تبتدئ بالجسد ، وإنما تطّلع على الأفئدة :
(وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ. نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ. الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) :
إنها ليست نارا تعرف ، إنما نار خاصة متميزة متغيظة ، نار الله التي أوقدها بقدرته ، فقد تمتاز عن نار غير الله ، أوقدها الله إظهارا وتجسيدا لما أوقده الهمزة اللمزة ، وإنها تطّلع على الأفئدة التي اطّلعت منها نيران الهمز واللمز ، تحرق بما أحرقت به.
إنها نار تحرق روح الإنسان وجسمه ، قلب الإنسان وقالبه ، كما أحرق صاحبها قلوب الناس وقوالبهم ، وضيّع عليهم جو الطمأنينة : المعيشية الاقتصادية ، والمعنوية الآمنة.
هنا ـ وقبل أن تقوم القيامة ، يجبر الله كسر المؤمنين المنبوذين ، بما يعد النابذين غير المؤمنين ، فيطمئنهم في دنيا الحياة ، قبل الاطمئنان الأبدي في عقباها ، بما يبشرهم وينذر أعداءهم الألداء.