الفيل عبرة لأولي الألباب ، رغم ما نواه أصحابه : أن تكون ثورة على الحق وتشجيعا للثائرين خلاف الحق.
(أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ) .. إنها كانت رسل الله لأمر مقصود ، لا رسل الصدفة لأمر غير مقصود ، أرسلهم الله طيرا أبابيل : وعلى حد تفسير أبي عبيدة : «جماعة في تفرقه» ولعلها جماعة من حيث الجمع ، وتفرقة من حيث الأجناس (١).
نكّرت الطير الأبابيل كما نكّر أصحاب الفيل ، وأين تنكير من تنكير ، فلأصحاب الفيل منه النكير إهانة ، وللطير الأبابيل تنكير التعظيم كرامة ، وليدل على أن لا اختصاص بهذه الطير جنودا إلهية ، فالكائنات كلها جنود الله.
تقتل واحدة من هذه الطير ثلاثة من أصحاب الفيل ، ويا لهم ولكيدهم من تضليل :
(تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) :
هؤلاء الرماة القاذفات ، فما هو المقذوف به؟ إنها حجارة من سجيل. و «سجيل» * معرّب عن «سنك كل» الفارسية ، أي حجارة الطين ، فمن الأحجار ما هو حجر خالص ، ومن الطين ما هو طين خالص ، ومن الحجارة ما هي حجارة الطين ، وهي القنابل التي رمتها الطير الأبابيل.
نجد القرآن يذكر ـ فيما يذكر ـ من ألوان عذاب المجرمين دنيويا : (حِجارَةً مِنْ طِينٍ) : (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) (٥١ : ٣٤) (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (١١ : ٨٣).
__________________
(١) هل للأبابيل واحد؟ قولان : أحدهما أنه «أبيل» * قاله الراغب في غريب القرآن ، ثانيهما أن لا واحد له كما قاله الأخفش والفراء ، وقيل إنه : إبالة ، أبول ، إيبالة. عن أبي جعفر الرواسي والكسائي والفراء.