فهذه حجارة ماهيتها أنها حجر الطين ، حجر خلق من تحجّر الطين ، وهي منضودة : بعضها على بعض ـ ومسومة : معلمة .. للمجرمين.
فهنا وهناك قاذفات ، مقاذيف ، قد يكون المقذاف الكوكب الذي يرمى منه إلى شياطين الجن إذ يسترقون السمع ، أو شياطين الإنس إذ يسعون فسادا في الأرض. فالأولى تسمى شهبا ، والثانية أحجارا سماوية ، ومن الأولى : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ. وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ. إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) (١٥ : ١٨) ، ومن الثانية : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) (٨ : ٣٢)(١).
وهنا القاذفات الحيوانية تأخذ قواذفها من جو السماء ، من السجيل المنبث المتساقط من الكواكب ، ثم تقذف بأمر الله ، كما قذفت أصحاب الفيل ، وكيف قذفت؟.
كل طائر كان في منقاره حجر وفي رجليه حجران ، وإذا رمت بذلك مضت وطلعت اخرى ، فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقه ، ولا عظم إلا أوهاه وثقبه ، وثاب أبرهة راجعا وقد أصابته بعض الحجارة ، فجعل كلما قدم أرضا انقطع له فيها إرب ، حتى إذا انتهى إلى اليمن لم يبق شيء إلا باده ، فلما قدمها تصدع صدره وانشق بطنه فهلك ولم يصب من الأشعرين وخثعم أحد ، قذائف لا تهدر ، ولا تخطئ العدوّ إلى المؤمن ، ولأنها كانت بأمر الله وبعين الله ، دون القذائف البشرية الهادرة أحيانا والمخطئة اخرى.
(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) :
كأوراق الزرع الذي أكله الأكّال ، كالدود يأكله ويفسده ، والحيوان يأكله ويمزقه.
__________________
(١) الأحجار الساقطة من الكواكب لو وصلت إلى الأرض تسمى أحجارا ، ولو احترقت في السماء تسمى شهبا ونيازك نارية ، وسوف نفصل البحث عنهما في محالهما.