فلما جاءهم الرسول الأقدس محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم قائلا : ملة أبيكم إبراهيم ، إن دينه دين إبراهيم : حنيفا مسلما وما كان من المشركين .. قالوا : ونحن على دين ابراهيم فما هي الحاجة إلى دين محمد .. ثم راحوا يحاولون مع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ويحتالون عليه طريقة وسطى .. وعرضوا عليه ما عرضوه فاعترضتهم قوارع الآيات أن لا طريقة وسطى ، فإما التوحيد وإما الإشراك.
فعلّهم ماكروه فهذا العرض الكافر ، وعلّهم زعموا قرب المسافة ، فبإمكانهم التفاهم عليها : بقسمة البلد بلدين والالتقاء في منتصف الطريق .. إلا أن مكرهم أظهر ، فلو كانوا جاهلين غير عامدين لم يكن القرآن يحسم الخلاف بترك الدعوة بعدئذ : لا نحن إليكم ولا أنتم إلينا (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). إنهم ماكروه : أرادوا أن يخرجوه عن التوحيد وهم باقون على الشرك ، فيخسروهم رابحون ، وهكذا محاولة الشياطين في خطواتهم تجاه المؤمنين ، إنهم يجنّدون كافة طاقاتهم ، ويعملون كل دعاياتهم ليضلوا المؤمنين ، كما هم ضالون ، دون أن يهتدوا ولا قيد شعرة : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٩ : ١٢ ـ ١٣).
أجل ، وإن هناك : بين المؤمنين وهكذا كافرين ، إن بينهم انفصالا لا يرجى معه أي اتصال ، فلا التقاء إذن بينهما في طريق .. فهنا آخر المطاف في الدعوة ثم لا دعوة إذ لا رجاء.
لا بد للدعاة إلى الله أن يصرفوا طاقاتهم لإثبات الحجة ولكي يدلوا ويهدوا الضالين إلى الله ، وأما أن يتاجروا بإيمانهم أيضا ، زعم أن الكافرين الماكرين علهم يهتدون .. أما إذا وصلت الدعوة إلى خسارة الدعوة والداعي هكذا