فلا .. وإنما كلمة واحدة آخر المطاف : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) أنا هنا وأنتم هناك ، فلا معبر ولا جسر عليه يعبر ، وما أحوج الداعين إلى الإسلام اليوم إلى هذا الموقف الحاسم والبراءة التامة عما ينافي الإسلام ، وإنه ليس هناك أنصاف حلول ، ولا التقاء في منتصف الطريق ، ولا إصلاح عيوب ، ولا ترقيع مناهج ، إنما هي الدعوة إلى الإسلام كما بدأت بالصادع الأول.
وبغير هذه الفاصلة الحاسمة سيبقى الغبش واللبس والترقيع والخداع ، وليس الإسلام بالذي يقوم على هذه الأسس المدخولة!
أجل : الدعوة إلى الإسلام كما الإسلام يرام ، وبالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، إلا الذين ظلموا ، فبالمقاطعة أو التقويم بالقوة ، علهم يتعرفون إلى الحق ، أو تدميرهم لكي تحسم مادة الفساد وجراثيم الضلالة ، وأول المطاف هنا في آخر الدعوة هو القول : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).
(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) .. إعلانا دون إسرار ، ولكي يدرس الأحرار درسهم في مواقفهم هذه مع المتعصبين ، كيف يلتقوا معهم ، نداء بحقيقتهم ووضعهم الذي أصبح لزاما لذواتهم : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) : تريدون مني حدثا في العبادة وأنا لا أعبد معبوداتكم من الآن ومدى الحياة ، كما لم أكن أعبدها منذ الولادة وحتى الآن.
(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) : قطعت رجائي عنكم ، فلستم ممن يعبدون الله ، فقد أصبح الشرك كأنه لزام ذواتكم فلستم بتاركي آلهتكم من الآن ، كما لم تكونوا بتاركيه حتى الآن .. وهذه من الملاحم القرآنية ، تخبر عن غيب مستقبل : أنهم ليسوا بمؤمنين حتى الموت .. وكان بإمكان أحدهم أن يؤمن في ظاهر الحال ، ولكي يثبت كذب هذه الملحمة القرآنية ، ولكنهم لم يقدموا وحتى على ظاهر الإيمان : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ).