هذه ـ ومن قبل كانت الآيات تتواصل في بشرى الفتح إعلانا وإسرارا ، يقظة ورؤيا ، وإلى حيث كأن الفتح واقع ولمّا يقع : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ..) ماض يعني مستقبلا قاطعا وكأنه أمر مضى ، .. تنزل في السنة السادسة من الهجرة ، قبل الفتح بسنتين ، وفي نفس السورة ذكرى رؤيا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وأن الله صدقها : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (٤٨ : ٢٨) ، ولقد كانت هامة الفتح من غير المحتمل وحتى في الرؤيا ، ولكن الله حققها وفاء بعهود تترى ... يرى رؤياه هذه في حين كان المشركون قد منعوهم منذ الهجرة من دخول مكة ، حتى في الأشهر الحرم التي كانت العرب تعظّمها في الجاهلية ، وتضع السلاح فيها ، وتتعظم القتال في أيامها ، والصدّ عن المسجد الحرام ، حتى أصحاب الثارات كانوا يتجمعون في ظلال هذه الحرمة ، ويلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه فلا يرفع في وجهه سيفا ، ولا يصده عن البيت المحرم ، ولكنهم خالفوا هذه السنة وصدوا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم والمسلمين طوال سنوات.
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ..) (٤٨ : ٢٥).
بشارات الفتح قبل وقوعها تتلاحق وتتلاصق هنا وهناك ، تثبيتا للمؤمنين ، ودفعا لشكوك المرتابين الذين في قلوبهم مرض : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
__________________
ـ نصر الله امرآ سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها ، فرب حامل فقه ليس بفقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين ، واللزوم لجماعتهم ، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم ، أيها الناس إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا ولن تزلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين ـ وجمع بين سبابتيه ـ ولا أقول كهاتين ـ وجمع بين سبابته والوسطى ـ فتفضل هذه على هذه (نور الثقلين ٥ : ٦٩٠ ح ١٠).