(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) :
فهل إنهم كل الناس؟ هذا خلاف الواقع الملموس ، وإن كان يوافق عموم اللفظ! أم إنهم الذين عرفوا الدعوة فحقّ لهم أن يصدقوها؟ فكذلك الأمر ، أم إنهم المؤمنون فحسب؟ وهذا لا يلائم عموم اللفظ «الناس»!
أقول : رباط الدخول في الإسلام بالفتح يوحي أنهم الذين عرفوا الإسلام ثم كملت معرفتهم بالفتح ، بما أنه كان من ملاحم الغيب ، وقد صدق به وعد الله ، ثم الذين آمنوا منهم هم الناس ، والذين لم يؤمنوا وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم فهم النسناس ، فقد «سئل الحسن بن علي (ع) من الناس؟ فقال : نحن الناس ، وأشياعنا أشباه الناس ، وأعداؤنا النسناس ، فقبله علي (ع) بين عينيه وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته» :
(فِي دِينِ اللهِ) هل إن سائر الأديان الإلهية ليست دين الله؟ فكيف يعتبر دخول غير المسلم في الإسلام دخولا في دين الله ، الموحي أنه خروج عن غير دين الله ، أو دين غير الله؟.
الجواب : أن الداخلين في الإسلام حينذاك كانوا بين مشرك لم يكن في دين الله ، وبين كتابي لم يكن يلتزم بدين الله ، إذ إن الإسلام لله والتسليم له يقتضي رفض السابق وإن كانت من شريعة الله ، والاعتناق باللاحق بما أمر الله ، ف (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ولا معنى للإسلام بعد نزول شريعة القرآن إلا اعتناقه ورفض ما سواه ، مهما كانت من الشرائع السابقة.
وإضافة إلى كل ذلك فإن الشريعة الأخيرة الخالدة كانت هي الهدف الرئيسي من الرسالات قبلها ، فلم تكن السابقة عليها إلا كتهيئة لها ، فحق لها أن تعتبر كأنها هي الدين لا سواه ، وأن رسوله هو الرسول لا سواه (١).
__________________
(١) راجع كراسنا «وحدة الدين واختلاف الشرائع» وكتابنا «المقارنات».