غافلين عنها ، جحيم الذوات والأفكار والأعمال ، وهي تبرز يوم يقوم الاشهاد : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٥٠ : ٢٢) وما الجحيم يوم الطامة الكبرى إلا بروزا لحقائق الأعمال ، مهما كانت أرضها حاضرة.
(فَأَمَّا مَنْ طَغى. وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) :
تقسيم ثنائي للناس أجمعين من أهل الجنة والجحيم بمن فيهما من درجات ، ويذكر لكلّ مرجعه بما قدمت يداه.
(فَأَمَّا مَنْ طَغى) : على ربه وعلى المربوبين ، تجاوز عن طوره وعن الهدى ، فمدى الطغيان هذا أوسع مما لذوي الجبروت والسلطان ، شاملا لكل مجاوز حده ، الذي يحيا حياة الطغيان ، التي هي ممات للحق وذوي الحق ، وليس الطغيان إلا نتيجة عدم المعرفة بالله ، وعدم الشعور بالمسئولية ، وأن يحسب الإنسان نفسه كأنه الكل : مدار رحى الكون.
(وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) : إن الطغيان يدفعه إلى إيثار الحياة الدنيا على الحياة العليا ، وكما الإيثار يدفعه إلى الطغيان : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (٩٦ :٦).
ليست الحياة الدنيا هي الحياة في دار التكليف ، فإن الدنيا مدرسة الآخرة ، وإنما أن يعيشها الإنسان حيوانا لا يعرف القيم الإنسانية ، فإذا أهملت الحياة العليا ، المناسبة للآخرة والأولى ، اختلت كل الموازين والقيم في تقدير الإنسان ، واختلت كل ضوابط الإدراك الحق والسلوك العدل في حياته ، وأصبح حيوانا وحشيا على صورة الإنسان.
(فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) : لا في أخراه فحسب ، بل وفي أولاه أيضا ،