فبما أن المأوى هو الملجأ والمسكن ، فالذي يعيش الحياة الشريرة ، فحياته جحيم لنفسه ومن سواه ، مهما كان غافلا عن جحيم الحياة ، وسوف تظهر حقيقة هذا الجحيم يوم الطامة الكبرى.
(وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) :
(وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) : خاف مقامه ، دون أن يخافه : (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) (١٤ : ١٤) فليس خوف المقام هنا إلا لخوف الوعيد الناتج عن مقام الرب .. فما هو المقام؟
مقام الرب هنا هو قيامه بالعدل والجزاء الوفاق للحسنات والسيئات (١) ، هذا هو مقامه وكما شهد : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣ : ١٨).
ومن قيامه بالقسط هو الجزاء العدل على الحسنات والسيئات وإن كانت الحسنات فيها فضلا بعد العدل.
فالله تعالى لا يحيف حتى يخاف من جوره : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ) (٢٤ : ٥٠) وإنما يخاف من الجائر الفاجر (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) (٨ : ٢٦).
إذا فلا يخاف الرب ، وإنما يخاف مقام الرب العاصي لعصيانه ، والعادل فلا يعصي : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٠ : ١٥).
فخوف الله ليس لألوهيته ، وإنما لعدله بربوبيته : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ
__________________
(١) فإن المقام بين كونه اسم مصدر واسم زمان واسم مكان والأخيران لا يناسبان مقام الربوبية إذ لا زمان له ولا مكان.