وذكر الأزرقي (١) عن ابن جريج : أن جبريل عليهالسلام حين هزم بعقبه في موضع زمزم فقال لأم إسماعيل ـ وأشار إليها إلى موضع البيت ـ : هذا أول بيت وضع للناس ، وهو بيت الله العتيق ، واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام يرفعاه للناس ويعمرونه ، ولا يزال معمورا محرما إلى يوم القيامة ـ أي : قربها ـ. قال ابن جريج : فماتت أم إسماعيل قبل أن يرفعه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ودفنت في موضع الحجر. انتهى.
فبينما هاجر وابنها كذلك إذ مرّ ركب من جرهم قافلين من الشام في الطريق السفلي ، فرأى الركب الطير على الماء ، فقال بعضهم : ما كان بهذا الوادي من ماء ولا أنيس ، فأرسلوا جاريتين لهم حتى أتيا أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام فكلّماها ، ثم رجعا إلى الرّكب فأخبروهم [بمكانها](٢) ، فرجع الركب كله حتى حيّوها ، فردّت عليهم ، وقالوا : لمن هذا الماء؟ قالت أم إسماعيل : هو لي. قالوا : [أتأذنين](٣) لنا أن نسكن معك؟ قالت : نعم. ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «ألفت ذلك أم إسماعيل وقد أحبت الأنس» ، فنزلوا وبعثوا إلى أهلهم فقدموا ، وسكنوا تحت الدوح وأعرشوا عليها العريش ، فكانت معهم هي وابنها.
قال بعض أهل العلم : وكانت جرهم تشرب من ماء زمزم ، فمكثت بذلك ما شاء الله أن تمكث ، فلما استخفت جرهم وتهاونوا بحرمة البيت ، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدي إليها ، وارتكبوا مع ذلك أمورا عظاما نضب
__________________
(١) أخرجه الأزرقي (١ / ٥٦).
(٢) في الأصل : بمائها. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٧٣).
(٣) في الأصل : أتأذني.