ماء زمزم وانقطع ، فلم يزل موضعه يدرس ويتقادم وتمر عليه السيول عصرا بعد عصر حتى غبي مكانه ، وسلط الله خزاعة على جرهم فأخرجتهم من الحرم ، ووليت خزاعة الكعبة والحكم بمكة ، وموضع زمزم في ذلك داثر لا يعرف لتقادم الزمن ، حتى بوّأه الله لعبد المطلب بن هاشم لما أراد الله من ذلك ، فخصّه به من بين قريش ، وقيل : إن جرهم دفنت زمزم. ذكره القرشي (١).
وذكر الحلبي (٢) : أن جرهم لما استخفت بأمر البيت وارتكبوا الأمور العظام قام فيهم رئيسهم مضاض ـ وفي كتاب مكة للأزرقي (٣) : إن مضاض هذا جدّ [نابت](٤) بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن ، أي : أبو أمه ـ ومضاض ـ بكسر الميم ، وحكي : ضمها ـ [خطيبا ووعظهم ، فلم يرعووا](٥) ، فلما رأى ذلك منهم عمد إلى [غزالتين](٦) من ذهب كانتا في الكعبة وما وجد فيها من الأموال ـ أي : السيوف والدروع ـ التي كانت تهدى إلى الكعبة ودفنها في بئر زمزم.
وفي مرآة الزمان : أن هاتين الغزالتين أهداهما إلى الكعبة ساسان أول ملوك الفرس الثانية ، ورد بأن الفرس لم يحكموا البيت ولا حجوا. هذا كلامه. وفيه : أن هذا لا ينافي ذلك ، تأمل. وكانت بئر زمزم نضب ماؤها ـ أي : ذهب ـ فحفر مضاض بالليل وأعمق الحفر ودفن بها ذلك ـ أي :
__________________
(١) البحر العميق (٣ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣).
(٢) السيرة الحلبية (١ / ٥١).
(٣) الأزرقي (١ / ٨١).
(٤) في الأصل : ثابن. والتصويب من الأزرقي ، الموضع السابق.
(٥) ما بين المعكوفين زيادة من السيرة الحلبية (١ / ٥١).
(٦) في الأصل : غزالين.