قال القطبي (١) : وهم باقون إلى الآن طبقة بعد طبقة ، واستمرت عين حنين جارية إلى مكة ، لكنها تقلّ تارة وتكثر أخرى بحسب الأمطار ، وعين عرفات تجري من نعمان إلى عرفة إلى أن صارت عرفات فيها بساتين وصار بها الغرس ، ثم قلّت الأمطار إلى أن يبست العيون ونزحت الآبار في سنين عديدة إلى سنة تسعمائة [وتسع](٢) وستين وما بعدها ، وكانت سنوات ليس فيها مطر ، وانقطعت العيون إلا عين عرفات فإنها لم تنقطع إلا أنها قلّ جريانها في تلك السنوات. ولما أن عرضت العيون على الأبواب السلطانية فبرز الأمر بإجرائها بأيّ وجه كان ، وأمر بالفحص على أحوال العيون وكيف يكون جريانها إلى بلد الله الأمين ، فاجتمع المرحوم عبد الباقي بن علي قاضي مكة والأمير [خير الدين](٣) صنجقدار جدة وغيرهم من الأعيان ، وتفحصوا وداروا واشتوروا ، فأجمع رأيهم على أن أقوى العيون عين عرفات ، وطريقها ظاهر ، ودبلها مبني إلى بئر زبيدة ، وهو خلف منى ، وأن الذي يغلب على الظن أن دبلها من بئر زبيدة إلى مكة مبني ، وأنه مخفي تحت الأرض ولكن يحتاج إلى [الكشف](٤) عنه والحفر إلى أن يظهر ؛ لأن زبيدة لما بنت الدبول من عرفات إلى بئرها المشهور الذي خلف منى الذي جميعه ظاهر على وجه الأرض ، فالباقي من ذلك المحل إلى مكة أيضا مبني إلا أنه خفي تحت الأرض ، واستغنت عن عين عرفات بعين حنين ، وتركت هذه وصارت نسيا منسيا. هكذا ظنّوا ، ثم إنهم إن تتبعوها
__________________
(١) الإعلام (ص : ٣٣٩ ـ ٣٥٠).
(٢) في الأصل : وتسعة.
(٣) في الأصل : خيار الدين. والتصويب من الإعلام (ص : ٣٤٠).
(٤) في الأصل : كشف.