أن وصل إلى مكة فأول ما بدأ بتنظيف الآبار التي تستقي منها الناس وإخراج ترابها ، ثم بعد الفراغ توجه إلى الكشف على العين ، وكثر تردده والفحص عن أحوال عين عرفات وعن أحوالها ، ثم بعد الكشف شرع الأمير في حفر دبولها ، وضرب وطاقه (١) بالأوجر من وادي نعمان (٢) في علو عرفات ، وشرع في حفر قعرها وتنظيف دبولها ، وكانت مماليكه هم القائمون بهذه الخدمة ، وهم نحو الأربعمائة ، وأقام بهذا العمل من الأوجر إلى المزدلفة ، وكتب نحو ألف نفر من العمّال والبنائين والمهندسين ، وجلب من مصر والشام والروم مهندسين طوائف طوائف ، وكذا جلب من خدام العيون والآبار والحجّارين والحدادين إلى ما يحتاج من العمارة من مصر ، وعيّن لكل طائفة قطعة من الأرض لحفرها وتنظيفها ، وكان يظن أنه يخلص من هذا العمل فيما قبل السنة ، واتصل على هذا العمل إلى أن وصل إلى بئر زبيدة البئر الذي انتهى إليه عملها الذي هو خلف منى. فلما وصل إلى هذا البئر لم يجد بعده دبلا ولا أثر شيء ، فضاق صدره وعلم أن القدر الباقي إلى مكة ما تركته زبيدة اختيارا وإنما تركته اضطرارا وعدلت عنه إلى عين حنين ، وتركت العمل عند البئر لصلابة الحجر ، وصعوبة قطعه ، وطول مسافته ، فإنه يحتاج من بئر زبيدة إلى دبل منقور في الحجر الصوان طوله ألفا ذراع حتى يصل إلى دبل عين حنين وينصب فيه ويصل إلى مكة ، ولا يمكن نقب ذلك الحجر فإنه يحتاج إلى النزول في الأرض قدر
__________________
(١) الوطاق : أوطاق كلمة محرفة عن أوتاق ، وتعني : المخيم والأثاث والمحطة (انظر مقدمة حمد الجاسر في تحقيقه للبرق اليماني ص : ٧٥ ، ٨٠) فهي كلمة غير عربية ، وتعني هنا حافته.
(٢) وادي نعمان : واد بين مكة والطائف ، يسكنه بنو عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل (معجم البلدان ٥ / ٢٩٣).