هل تجدون نفعا بما يهدى إليكم من قراءة ونحوها؟ فقالوا : لسنا محتاجين إلى ذلك. فقلت لهم : ما منكم من أحد واقف الحال؟ فقال : لم يقف حال أحد في هذا المكان. فأعجب به ، فقال : أرجو الله أن أموت بمكة وأن أدفن بالمعلا. اه. خلاصة الأثر (١).
وبمقبرة مكة شرفها الله تعالى خلق كثير من كبار الصحابة والتابعين وجم غفير. ذكرهم الطبري في القرى ، والفاسي في العقد الثمين. فمن أراد ذلك فلينظره ثمة.
فائدة : في المدخل لابن الحاج المالكي (٢) : أما زيارة القبور فجائز ، خصوصا إن كان ممن ترجى بركته أو قرابته للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فيجوز التوسل بهم إلى الله ، وأن الله قد اختارهم وشرفهم وكرمهم ، فكما ينتفع بهم في الدنيا ففي الآخرة أكثر. فمن أراد حاجة فليذهب إليهم ويتوسل بهم ، فإنهم الوسيلة إلى الله تعالى لخلقه ، وما زال الناس من العلماء والأكابر [كابرا](٣) عن كابر ، يتبركون بهم شرقا وغربا ، يتبركون بزيارة قبورهم ويجدون بركة ذلك حسا ومعنى. وقد ذكر الشيخ أبو [عبد الله بن](٤) النعمان (٥) : أن زيارة قبور الصالحين محبوبة لأجل التبرك مع الاعتبار ، فإن بركة الصالحين جارية بعد مماتهم كما كانت في حياتهم ، والدعاء عند قبور الصالحين والتوسل بهم معمول بها عند علمائنا المحققين من أئمة الدين (٦). انتهى.
__________________
(١) خلاصة الأثر (١ / ٢٥٦) ، وانظر : شفاء الغرام (١ / ٥٣٤).
(٢) المدخل (١ / ٢٥٥).
(٣) في الأصل : كابر. والتصويب من المدخل (١ / ٢٥٥).
(٤) قوله : عبد الله بن ، زيادة من المدخل ، الموضع السابق.
(٥) كتابه المسمى : سفينة النجاء لأهل الالتجاء في كرامات الشيخ أبي النجاء.
(٦) إن التوسّل لا يجوز إلا لله عزوجل بالإيمان الصحيح ، وبالعمل الصالح المشروع من الكتاب والسنة ، والاستشفاع يكون بدعاء الصالحين الأحياء الذين يدعون الله عزوجل تضرعا وخفية ، فيستجيب لهم ، والتبرك يكون بما جعله الله مباركا ككتابه العظيم ، ونبيه الكريم ، ومجالس ذكره تعالى الخالية من البدع والضلالات ، والميت لا يتوسّل به إلى الله عزوجل ، ولا يدعى ، ولا يستغاث به ، ولا يطلب منه الدعاء للحي ، ولا الاستشفاع له عند الله ، حتى ولو كان نبيا ، ومن صنع ذلك فقد ارتكب باطلا ، كما يدل ذلك على سوء فهمه ، وفساد في عقيدته.